الكفار.. فى محطة البنزين

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الجمعة 3 أبريل 2009 - 12:17 م بتوقيت القاهرة

 لوهلة قصيرة، شعرت أن الكفار خرجوا من القرن السادس، واحتلوا محطة البنزين التى تعودت أن أملأ فيها سيارتى بالوقود..

ففى مشهد عبثى، اقتحم شاب شباك سيارتى بنصف رأسه وسألنى بلهجة نارية تقطر حماسة وهو يصوب ناحيتى عينين صارمتين: «أنت مسلم؟» وأردف دون أن ينتظر إجابتى: «.. وموحد بالله؟»..

كان السؤال مستفزا، ولكنى أومأت له برأسى بالموافقة وأنا أكاد أتحسس جنبى بحثا عن سيف أو رمح أقاتل به المشركين.. صافحنى بحرارة مبالغ فيها وشد على يدى بعنف، وكأنه عثر أخيرا على مسلم فى صحراء الربع الخالى، ثم أمرنى بأن أركن سيارتى «على جنب» من أجل أن يعطينى سبحة وسجادة صلاة من عند الحاج عبدالأحد!.

شممت فى الأفق رائحة «بيزنس» من عينة «تايم شير» إسلامى، تأكدت منها عندما سلمنى هذا الشاب إلى آخر يرتدى بدلة أنيقة وتحتل زبيبة كبيرة ثلاثة أرباع جبهته، طلب منى أن أحضر حفلا فى فندق خمسة نجوم والاشتراك فى سحب على خمس سيارات نظير اشتراكى فى عمرة تنظمها شركة الشيخ عبدالأحد...!

ركبنى مائة عفريت حاولوا أن يزينوا لى مدى السعادة التى سوف أشعر بها حينما أصفع هذين الشابين على قفاهما، نظير الدقائق الخمس التى قضيتها أمام عرض مسرحى هابط بطلاه يتاجران بالدين، ويجبراننى على مشاهدته وأنا فى نهاية يوم عمل مرهق.

شكرتهما على هذا العرض السخى، إلا أن اعتذارى لهما لم يمنعهما من إلقاء نظرة غضب تكاد تتهمنى بالخروج من الملة...!

...للأسف صار هذا المشهد يلخص «حالتنا الدينية» فى صورتها الشعبية الشائعة.. التمسك بالقشور، وادعاء التقوى وتغييب القضايا الكبرى عن الصورة.. فالحاج عبدالأحد بدا لى وكأنه لا يهتم قيد أنملة بالقضاء على فقر المسلمين، فالأهم عنده أن «يعملوا عمرة» للتكفير عن ذنوبهم على الرغم من أن الفقر الذى يتجاهله الحاج هو المسئول عن معظم هذه الذنوب، إن لم يكن كلها خاصة الكبائر منها..!

ويبدو أن هناك تواطؤا بين الكثير من المؤسسات الدينية، على إساءة «استغلال» الدين فى القضايا الاجتماعية الكبرى، وإلهاء الناس فى أمور شكلية قد تتعارض فى واقع الأمر مع جوهر الدين الحقيقى..

وقد رأينا خلال السنوات الماضية رجال دين الكثير منهم من أساتذة الجامعة وهم يشغلون أدمغتنا بحروب الفتاوى التى شنوها على بعضهم البعض، من أجل أن يزيد الطلب عليهم فى الفضائيات أو أن يضمنوا نسبة مشاهدة أكبر لبرامجهم، وتدور عجلة البيزنس وأرباحه.

وفى هذا المناخ، تصل الرسالة واضحة للشباب الذين يرفضون هذا الاتجار بالدين.. بعضهم تدفعه ظروفه الاجتماعية الصعبة إلى «جنة» التطرف والإرهاب،
وآخرون تدفعهم ظروفهم المالية المستريحة إلى اللهو والإدمان.. وبينهما يعيش ملايين من الحائرين والضائعين الذين لا يرون من الدين إلا قشوره ويعيشون فى الدنيا التى صنعها الشيخ عبدالأحد..





هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved