الحب فى زمن العتمة

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 3 أبريل 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

على مشارف المقابر التى أصبحت موضوع الأحاديث اليومية لابد أن يجلس الحب جانبا أحيانا، على عزف مقطوعة الحزن الأبدى، يتراجع الحب ربما من مسارات الضوء المسلطة على العتمة القاتلة. يخف صوت العقل ومعه صوت الحب والحرية. هذان المرادفان اللذان لا ينفصلان. يسود القبح كل شىء حتى يستولى تدريجيا على القلوب وهى التى كانت عاشقة حتى الثمالة فى منطقة عرفت الحب بكلمات متنوعة ربما الأوسع بين مختلف اللغات المليئة بالحياة، عندما يكثر الموت حتى يصبح أوفر من رغيف الخبز لا بد أن نعود إلى التذكير بالحب والمحبة.

***

الحب بين شخصين يرتضيان أن يتقاسما الحياة ويتشاركاها، ليس الحياة التى هى لا تبتعد عن الأكل والشرب والملبس وليس تلك التى تقول من سيدفع هذه المصاريف من بين الاثنين أو كيف سينتقلون إلى منزل جديد ولا تلك الغرائزية منها، رغم أنها كلها قد تشكل أهمية فى الصورة الكبرى العامة للحب إلا أن المشاركة هنا تعنى الالتصاق بالآخر حد التوحد، الذى لا يعنى أن يذوب أحد المحبين حتى يتلاشى وجوده أو وجودها بل أن يتكاملا حتما. هو ذاك الذى يعرف أن مع كل هذا التلاصق تبقى الخصوصية لكل محب دون وضع أسوار شائكة للحدود التى على الطرف الآخر أن لا يتجاوزها كما هو حال الحدود السياسية والحدود الديمغرافية المستحدثة! هى حدود مفرطة فى الرقة ومغمسة بالحب حتما. هى شكل من أشكال التواصل الجميل بين شخصين وقد يكون بين مجموعة أو مجموعات يبقى الحب هو بوصلتها فى الألفة والسؤال والمشاركة أيضا. عندما يقترب شخصان حد الالتصاق فهو الحب حتما الذى يجعل ركيزة هذه الوحدة والتوحد ويحول الفرد من التفكير بالأنا إلى تقاسم التفاصيل الصغيرة لخلق جمال بسيط وسط كل هذا القبح.

فيم ربما تسود العتمة أحيانا أو تصبح هى لغة لنهارات طويلة وليل لا ينقصه قصر، وسط هذه العتمة تنبت زهرة، تغرس جذورها فى عمق الأرض المتصحرة من قلة المطر وتتسلق من بين شقوق الأرض العطشى فتبدو هى كثمرة الحب التى ترسل بضوئها بين العتمة. لابد من الحب إذن وبدونه قد نتحول إلى مجتمعات شبيهة بما يقولونه عنا، أى مجتمعات الكراهية فيما كانت نفس هذه المجتمعات ترسل برحيق الحب أينما رحلت واستقرت. توزع المحبة وتعلم فن الحب المغمس بالمشاعر لا المزهو بتفاصيل الاستهلاك والصفقات البشرية التى تغلف أحيانا بأسماء مختلفة أحدها الحب والمحبة! حتى تحول الزواج إلى مؤسسة كما هو حال كل الشركات التجارية، فيها ربح وخسارة والشراكة فيها مبنية على تقاسم الغنائم لا على تقاسم المحبة!

***

أخيرا أصبح الحديث عن الحب والمحبة وكأنه ضرب من الخيال أو الإغراق فى الرومانسية فى زمن الواقع والممكن أو ربما شىء من الهروب من الواقع والانطواء فى مساحات الداخل أو الخاص للبعد عن العام أو الشائع، حتى أصبح من المهم إعادة التذكير به وبأهميته الآن ربما أكثر من أى وقت مضى، وإعادة إحيائه والتمسك به بل وإضافته للمناهج بدلا عن الحديث الممجوج بعض الشىء عن السعادة وأهميتها وإضافتها لتكون جزءا من حكومات لم تطور التعليم ولا الصحة ولا الحقوق الأساسية وأهمها الحريات. ربما الآن يراد لنا أن نتغنى بالحب ونعيد التذكير به مرارا وتكرارا، وكيف أنه لا شجرة للحب دون أرض خصبة معطرة بالحرية تلك الأخرى التى أصبحت أكثر ندرا!

ربما لذلك أعاد الفنان الرائع والمبدع مرسيل خليفة فى مقابلته الأخيرة بجريدة السفير، التذكير بالحب حيث قال «لن يبقى إنسان إلا الأكثر حبا. لن يبقى إنسان إلا الأكثر جمالا. ولن يبقى إنسان إلا الأكثر قدرة على تحرير الآخر من التفاهة والعذاب والشقاء والخوف بواسطة الحب».

وكرر مرسيل بلغته الشعرية والموسيقية الراقية، بأن الحب أيضا بحاجة إلى عقول متحررة لا تلك المغلقة حد الإحكام.. الموصدة بأحزمة العفة العقلية، وبإغفال رميت مفاتيح فى نيران الحروب.
انتظارا لجنات وأنهار وحور عين!

هو مرسيل الذى لا يتوه فى سموات الظلمة بل يبقى فى المساحات البيضاء النقية، ها هو يؤكد على أن الحب لا ينبت وينمو فى جو من الخوف وانغلاق العقول التى كلما ضاقت كلما انغلق القلب على داخله وعاد إلى ما هو بيولوجى، لا كما رسمته وتغنت به ثقافات وحضارات لا تزال شاهدة على الحب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved