عاصفة من الحب

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 3 أبريل 2020 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

العديد من الممثلات يحملن فضل المكانة التى حققنها أى منهن بسبب وقوع مخرج أو بالطبع منتج فى هواهها، فيتفرغ بقوة لتقديمها حتى تلمع، ومن حقها أن تكمل المسيرة معه أو أن تختار ما تشاء، ولعل أشهر النماذج هى لبنى عبدالعزيز وزواجها من المخرج رمسيس نجيب، فتألقت بفضله وبقوته، وما إن انفصلا حتى اهتزت نجوميتها، ولكن الأمر لم يتكرر مع ناهد شريف التى تحمس لها المخرج والمنتج وكاتب السيناريو حسين حلمى المهندس، ويقال إنه تزوج منها لكن هذه المعلومة ليس عندى ما يثبتها، حيث منحها بطولة افلامها الأربعة الأولى وهى: «أنا وبنتنى» و«عاصفة على الحب» و«تحت سماء المدينة» و«مخلب القط»، ويقال أيضا إنها ارتبطت فى تلك الفترة بالممثل كمال الشناوى، وعملت معه فى « الوديعة» للمخرج نفسه، كما أخرج لها فيلمه الوحيد «تنابلة السلطان»، واجتمع الثلاثة معا عام 1973 فى «نساء الليل». وكان المهندس يستعين بها من فيلم لآخر
فى تلك السنوات لم تكن ناهد شريف نجمة الإغراء التى رأيناها بعد ذلك فى افلام مثل «شهر عسل بدون ازعاج»، و«امرأة ورجل» وغيرها، فكانت هى الفتاة الحزينة الرومانسية، قد تقع فى المحظور خارجا عن ارادتها، الغريب أن المهندس هو أول من ذهب بها إلى الريف، لم تكن فلاحة، لكن الفيلم كله فى القرية التى تذهب اليها الراقصة خلدية للعمل ليلة واحدة، فى أحد الأفراح، فتغيرت حياتها هناك من خلال لقاء تم بينها، وبين حامد الشاب الأبرز من القرية، وهو من يتعامل على أنه الفارس المنشود من كل النساء، أو أنه سيد البلد مثلما تقول الاغنية التى تتردد فى الفرح الريفى، فتذيقه خلدية لوعة العشق قبل أن تقع فى غرامه، ويطلبها للزواج، وأمام القانون الاجتماعى الصارم فإن الأسرة تعترض على الزواج، ويبدو أن القانون الريفى هذه المرة ليس محكوما بالرجل، بل هو قانون الأم التى ترى أن الزيجة سوف تؤثر على سمعة العائلة، وسوف تكون سببا فى اسقاط ابنها الأكبر فى الانتخابات البرلمانية.
باختصار، حتى لا نفقد المشاهد متعة الترقب، فإن حالة من العشق والوله يعيشها الزوجان اللذان هربا إلى مكان آخر، وصار على الزوج أن يتحمل مسئولية البيت فعمل فى اعمال عديدة لا تتناسب معه حتى يدبر مصاريف حياته.
إنها قصة الرجل المنتقى الذى يقع فى حب امرأة تعمل فى وظيفة لا يحبها الناس، وينظرون اليها على انها عاهرة، فهى تقدم نفسها على انها غازية، وفى الفرح، وتبعا للحالة المزاجية التى توجد فيها فإنها تتكلم بشخصيتها غير الحقيقية، فأمها كانت غازية، لكن هذا لا يعنى أنها رخيصة، تردد لصاحب العمل أنها تعمل راقصة لا أكثر، وبالتالى فهى عندما تسلم جسدها إلى حامد الذى اختطفها ولم تستسلم له، فقرر الزواج منها، وهنا تمنحه جسدا غير ملموس، تستحق صاحبته الاحترام والتضحية.
باختصار فإن كلا من العاشقين قد ضحى من أجل الآخر، وعاشا فى مسكن حقير كأسعد ما يكون العشاق إلى أن نجحت الوشايات، وانتصرت الأم.
لكن السؤال.. لماذا فيلم ريفى فى العام 1961 بهذه الشاكلة؟
لقد مات واحد من العاشقين على الفراش، وسط مشاعر بالندم، ولاشك اننا فى ذلك أمام معالجة ريفية لرواية «غادة الكاميليا» لألكسندر ديماس الابن، وهو الموضوع المستهلك بما يكفى فى السينما المصرية، حول ابنة الليل التى ترتبط بابن الاصول، فيغضب الأب على ابنه، وبدلا من أن يفقده، يذهب خلسة إلى الحبيبة ويرجوها ان تترك له وحيده، كى يهنأ به، وهناك تشابهات عديدة بين المرأتين، مرجريت جوتييه، وخلدية، منها انها غازية، وايضا انها تبدأ فى السعال قبل أن تنجب، أى وهى فى قمة سعادتها مع زوجها، وهو السعال الذى يتحول إلى مرض قاتل لها على الفراش، حين يعود اليها حامد اسرته بهدف المصالحة.
لكن الأب فى النص العالمى صار هنا الأم التى جسدتها أمينة رزق، وهى الممثلة التى كانت فى أدوار الأم المرأة القوية تتحكم فى مصائر أولادها مثلما رايناها فى: «بداية ونهاية» و«أين عمرى»، و«شفيقة القبطية»، وغيرها.
لكن فى رأيى أن المخرج حسين حلمى المهندس، وهو أيضا الكاتب، وضع عينيه على النجاح المدوى الذى حققه فيلم «حسن ونعيمة» لهنرى بركات 1959، المستوحى من إحدى القصص الشعبية، فالفيلم الذى قدمه بركات قبل عامين من تاريخ عرض فيلمنا، كان مستوحى من حكاية ريفية حقيقية حزينة، انتهت بموت العاشق حسن برصاص العزول، وبذلك فإن العاشقين لم يهنأ أى منهما بالآخر، وقد تكرر هذا بالنسبة لفيلمنا اليوم، فالمخرج يراهن على ممثلة تمنح البطولة للمرة الأولى، وإلى جوارها صلاح ذو الفقار الذى لم يكن قد حصل على أدوار بطولة مطلقة، عدا فيلمه الأول «عيون سهرانة» عام 1955، قد راهن عليه الفيلم باعتباره ضابط الشرطة الفارس، فكان هنا يمتطى الحصان كأنه الوجه المتكرر لزميله ضابط سلاح الفرسان أحمد مظهر.
أى أن المهندس صنع عالمه من خلال «غادة الكاميليا» ممزوجة بالحكاية الشعبية، أن تموت العاشقة، فى لحظات حرجة، يشعر فيها الجميع بالندم لموقفهم المشين من الحبيبة البريئة، وأن تترك طفلتها الوليدة للمرأة القادمة فى حياة حامد، حسنية التى جسدتها نادية الجندى فى دور صغير مثلما كانت فى البدايات.
لا أعرف ما هو الدور الذى قام به إبراهيم عمارة فى صناعة الفيلم، فهو هنا مجرد ممثل، يقوم بدور رجل تجاوز السن، يمتلك مركب صيد، ويساعد حامد فى ايجاد وظيفة صياد، والسؤال المطروح أن بداية الفيلم مصنوعة على طريقة أفلامه، حيث يصبغ الفيلم ببعض الآيات القرآنية الممزوجة بالمواعظ كأننا أمام عمل تربوى، ومثل هذه السمة غير موجودة فى افلام المخرج، ومنها: «أنا وبناتى»، و«الوديعة».
لكن أبدا لم تكن ناهد شريف صورة من سعاد حسنى، ولم تكن راقصة بارعة فى الفرح الذى حضرته، ولم يكن صلاح ذو الفقار مناسبا للدور، علما انه بعد عشر سنوات من هذا التاريخ جسد أيضا دور عاشق غادة الكاميليا فى فيلم عصرى هو «رجال بلا ملامح» من إخراح أخيه محمود ذو الفقار.
لا أعتقد أبدا أن حسين حلمى المهندس قد أضاف شيئا إلى الموضوعين اللذين غلف بهما فيلمه، واهما «غادة الكاميليا» و«حسن ونعيمة»، لذا فإن الفيلم سرعان ما دخل إلى دائرة الظل فى السينما المصرية، لا يكاد أحد يتذكره رغم أنه من انتاج صبحى فرحات أحد أبرز المنتجين فى عمل افلام ناجحة، وهو الذى تزوج زبيدة ثروت بعد انتاجه فيلم «يوم من عمرى» فى السنة نفسها.
صبغت أمينة رزق أدوار الأم بسماتها الخاصة، وكان الكتاب الذين يكتبون لها بشكل منتظم يرسمون شخصيتها المعهودة، فنراها يالتقريب تردد العبارات نفسها، وتسكن نفس البيوت، وقد استعان بها المخرج فى مثل هذا الدور النمطى البالغ الصعوبة فى فيلم واحد فقط هو «الوديعة» وكانت أما لكل من هند رستم وناهد شريف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved