زمن الكورونا.. هل يغير الوباء مفهوم الأمن القومى؟

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الجمعة 3 أبريل 2020 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

لم يحدث فى تاريخ الإنسان منذ بدء الخليقة أن واجه العالم موقفا كارثيا كذلك الذى يحيق به الآن. لا حدود سياسية ولا قدرات عسكرية ولا موارد اقتصادية كان لها فى تلك الأيام المشهودة أن تصد الوباء عن شعب أو أن تحمى قومية؟؟؟؟؟ الكل اليوم سواء فى مواجهة عدو لا قبل للإنسان برده مهما أوتى من قوة أو شجاعة. عدو الإنسان تلك المرة يعادى الجنس البشرى بأسره. لا يراه الإنسان حتى ولا يعرف كنهه وإن كان يرى قدراته فهو فى الواقع لا يعرف مداها. يقف مرعوبا مرتبكا لا يعلم من أين ستأتيه الضربة القادمة.
حينما أعود لحديث «فوكوياما» والذى تنبأ بنهاية العالم فى كتابه الأشهر ومحاضرة بيل جيتس عام ٢٠١٥ والتى أكد فيها أن الحرب القادمة لن تستخدم فيها الطائرات والصواريخ ولا حتى السلاح النووى إنما هى حرب الفيروسات، يداهمنى شعور مر قاتم يدق رأسى بعنف ويسلبنى القدرة على التنفس بعمق كأنما ملأ التراب رئتيىّ.
ألم يكن فينا رجل رشيد ينصت إلى أولئك الذين وعوا الحقائق وحاولوا مخاطبة الإنسان ليتوقف لحظة يطالع فيها حجم التدمير الذى أحدثه فى حياة كان مقدرا له أن يعيشها فنكّل بها ونصّب نفسه جلادا لكل مظاهر الطبيعة فأدماها؟!
تسيد الساسة العالم فنحوا رجال العلم والفكر والأخلاق جانبا وتقاسموا العالم فيما بينهم وأنفقوا موارده على تطوير الأسلحة فرايات الحرب هى الخفاقة دائما وهى الأمان الذى ينشده العالم.
قدر هذا العالم يغيره الآن فيروس لا يُرى بالعين المجردة أو حتى المجهر العادى بل المجهر الإلكترونى: ماذا يعنى الآن تعبير الأمن القومى الذى خوّل للسياسيين ارتكاب الجرائم باسمه فى العالم سواء داخل حدودهم مع شعوبهم أو مع الآخر خارج حدود بلادهم؟
< هل سيظل «الأمن القومى» تعبيرا مرادفا للقوة العسكرية والسلاح المتطور والاقتصاد القومى الذى يخدم مشروعات التنمية اعتمادا على استنزاف الطبيعة واستهلاك مظاهر الحياة فيها؟
نجحت الصين فى إبهار العالم بذلك العرض المذهل الذى قدمته خلال مكافحة الوباء وحصاره: بناء مستشفى وتشغيله خلال عشرة أيام، استخدام الروبوت فى تقديم الطعام للمرضى وتعقيم الشوارع والمنازل والقدرة على استيعاب معلومات كاملة عن أى إنسان يعيش على أرضها بل والتنبؤ بمشاعره وأفكاره!!
< لم يعد الأمن القومى يعنى التنبؤ بقدرات الآخر العسكرية والجاهزية لحرب متطورة الأسلحة تحفظ للدول حدودها السياسية، قد يكون من الضرورى الآن أن يعيد الإنسان حساباته وترتيب أولوياته: قد يكون من الضرورى تطوير تقنيات جديدة لها القدرة على تحرى الأوضاع الصحية على الكرة الأرضية وتحديد التهديدات البيولوجية التى يتعرض لها البشر.
< واجه العالم عدوا واحدا أحدث كل تلك الخسائر والتى إن وضعنا الإنسان فى المقام الأول لكان إصابة مليون من البشر خسارة فادحة للحياة حتى الآن فهل يؤدى ذلك إلى توحد المشاعر والاتجاه إلى التعاون بين البشر فى تبادل المعلومات الصحيحة والخبرات العلمية التى قد ينتج عنها تعاون دولى إنسانى لإنتاج الأمصال واللقاحات لمواجهة نذر الخطر القادم دائما؟
أما أن ذلك سيزيد من عزلة شعوب العالم فتغلق الحدود للأبد بين دول العالم الأمر الذى سيزيد الأمور تعقيدا فسينحصر الجهد فى جمع المعلومات لمعرفة ما تخفيه الدول الأخرى وما تعلنه من باب التضليل؟
< هل يدرك الجميع الآن أن مفهوم تعبير الأمن القومى قد تغير وأنه لم يعد هناك «أمن قومى» للدول إنما هو «أمن قومى» للإنسان فى العالم وأن على السياسيين أن يغادروا أماكن الصدارة ليجلس فى أماكنهم رجال العلم والاقتصاد والأخلاق؟
< أمن الإنسان القومى الآن فى تأميم صناعة الدواء والمصل واللقاح لصالح الإنسان بلا تمييز بين لون أو جنس أو قومية أو دين.
< أمن الإنسان القومى اليوم فى عقد اتفاق صلح بين الإنسان والطبيعة ملزم للإنسان ألا يعاود اعتداءه المستمر على البيئة فى السر والعلن.
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved