فائض قلق!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 3 أبريل 2020 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

يوما بعد يوم، تزداد أزمة فيروس كورونا المستجد، تعقيدا وضغطا على أعصاب الجميع.. دول.. حكومات.. مؤسسات طبية وحتى الأفراد العاديين، خصوصا بعدما تجاوز عدد المصابين بهذه الجائحة العالمية حاجز المليون إصابة، وتسببها فى وفاة أكثر من ٥١ ألف شخص، من دون أن يلوح فى الأفق بوادر أى حل ناجع يوقف تهديد هذا الفيروس للجنس البشرى.
هذا الضغط الهائل، دفع الكثيرين إلى التخلى عن «ضبط النفس» والقيم الإنسانية الواجب اتباعها فى التعامل مع مثل هذه الجوائح العالمية وتداعياتها المختلفة، وخلق حالة من الفزع والخوف والتوتر وفائض من القلق المدمر، وربما الغضب غير المحسوب فى بعض الأحيان.
مشاهد كثيرة جرت خلال الفترة الأخيرة عالميا وعربيا، تؤشر إلى أن «فائض القلق» بلغ حدا لم يكن من الممكن للبعض تخيل أن يصل إليه فى أوقات سابقة على هبوب عاصفة كورونا، بل لم يكن البعض يتصور كيف يمكن للنفس البشرية أن تصل إلى هذا المستوى، وتخرج أسوأ ما فيها جراء الفزع والقلق من تداعيات ذلك الوباء.
أولى المشاهد التى جرت وتستحق التوقف أمامها، لكونها معبرة عن «فائض القلق»، ما ذكرته صحيفة «ديلى ميل» البريطانية، عن قيام الجمعية الطبية البريطانية، بإصدار إرشادات جديدة للأطباء فى تعاملهم مع مرضى فيروس كورونا، حيث تضمنت إعطاء الأولويات فى أجهزة التنفس الصناعى للشباب وصغار السن.
نصحت الجمعية الأطباء بـ«نزع أجهزة التنفس الصناعى عن المرضى المسنين الذين تقل احتمالية بقائهم على قيد الحياة وإعطائها لصغار السن والمرضى الأفضل صحة». ليس هذا فقط بل أشارت الإرشادات أيضا إلى أنه «قد يكون من الضرورى حرمان بعض المرضى الذين هم فى حالة حرجة من أجهزة التنفس، حتى إذا كانت حالتهم تتحسن»!
هل كان أحد يتوقع أن يصدر فى دولة مثل بريطانيا، مثل هذه الإرشادات القانونية التى تعبر عما يعتبره البعض تمييزا عنصريا ظالما ضد كبار السن، الذين يعانون من ظروف صحية صعبة، وتعرقل بشكل كبير فرص حصولهم على العلاج اللازم الذى يمنحهم الحق فى الحياة؟
هذا المشهد يتشابه إلى حد التطابق مع المقترحات التى تقدمت بها وحدة إدارة الأزمات فى مدينة تورينو بإيطاليا، والتى تمثلت فى عدم إعطاء مرضى كورونا، الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاما، أجهزة تنفس صناعى، وأن يتم تركها للمرضى الصغار بزعم أن لديهم فرصة أكبر للحياة.
بلا شك أن فائض القلق من مستقبل الأيام جراء ضربات كورونا المؤلمة، وعدم القدرة على مواجهتها والتصدى لها، كانت الدافع الرئيس وراء تلك الإرشادات والمقترحات التى ظهرت فى بريطانيا وإيطاليا، للتعامل بهذا المنهج غير الإنسانى مع كبار السن، واعتبارهم حملا زائدا ينبغى التخلص منه حتى تبحر سفينتهم بسلام فى بحر الجائحة المتلاطم الأمواج.
لم يقتصر فائض القلق على القارة العجوز، التى باتت البؤرة الرئيسية للفيروس المدمر، بل انتقل إلى منطقتنا العربية، وشاهدنا خلال الأيام الأخيرة نماذج معبرة عن توجهات وسلوكيات غاية فى القسوة تجاه الآخرين، منبعها حالة الخوف والفزع والهلع المتزايد جراء ذلك الفيروس القاتل وتداعياته على مختلف المجتمعات.
النموذج الأول للفنانة الكويتية حياة الفهد، التى أثارت عاصفة من الجدل، بعدما دعت إلى ترحيل الوافدين الأجانب المصابين بالكورونا وعدم علاجهم فى المشافى الكويتية، قبل أن تتراجع وتقول إن تصريحاتها أسىء فهمها، رغم تمسكها بجوهر ما قالته!.
البعض قد يفسر هذه التصريحات بأنها تنطوى على عنصرية وتحض على كراهية للآخر وتثير الفتنة فى المجتمعات المستقرة، ولهم فى ذلك كل الحق، لكن ينبغى علينا ألا ننسى أن الخوف والقلق وحالة الهلع التى أصيب بها الجميع، جراء فيروس كورونا، كانت سببا رئيسيا فى خروج الكثيرين عن أطوارهم وتخليهم عن ضبط النفس وأبسط المبادئ والقيم الإنسانية التى تحض عليها مختلف الأديان السماوية.
هذا هو السبب الحقيقى فى تفسير ما أقدمت عليه هذه الفنانة الكويتية، وهو نفس السبب الذى دفع رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس إلى التخلى عن ضبط النفس، عندما قال إن «مصر بحاجة إلى قرار فورى بعودة حركة الإنتاج بشكل عاجل»، مشيرا إلى أن «القطاع الخاص قد يضطر إلى خفض الرواتب والاستغناء عن العمالة الزائدة».
تصريحات ساويرس تعبر بلاشك عن قلق مجتمع الأعمال من توقف حركة الإنتاج، جراء القرارات التى اتخذتها الحكومة للحفاظ على حياة المواطنين عبر تقليل ساعات عملهم!. لكن بالتأكيد حياة البشر أهم وأغلى من أى شىء.
الجميع مطالب سواء دول أو حكومات أو مؤسسات طبية أو أفراد، بتحجيم فائض القلق الذى يسيطر عليهم، والتحلى بالصبر والحفاظ على قيم الإنسانية وعدم إهدارها بتصريحات وقررات تحيى بدون أن نشعر سلوكيات مجتمعات الغاب التى ولت، والإيمان المطلق بالعلم الذى سيجد حلا لهذه الجائحة فى القريب العاجل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved