الإصابة بكورونا ليست فضيحة!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 3 أبريل 2020 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

فى إحدى المحافظات تم حجز مجموعة من المواطنين للاشتباه بإصابتهم بفيروس كورونا. أحد هؤلاء اتصل بصحفى يترجاه أن يحصل له على توصية بأن يخرجوه من الحجر، وألا يخبر أحدا من أقاربهم أو معارفهم عن حجزهم لأنهم يعتبرون ذلك فضيحة.
لم أكن أصدق هذه الحكاية، لولا أننى أثق فى هذا الصديق الذى نقل لى هذه القصة مساء الخميس الماضى.
هذا الصديق قال أيضا إنه فى إحدى قرى الوجه البحرى فإن بعض المواطنين يتشاجرون مع الأطباء، لو قالوا لهم إن هناك اشتباها فى إصابتهم بكورونا.
للأسف الشديد عدد لا بأس به من المواطنين يتعامل مع الإصابة المحتملة بالفيروس باعتبارها فضيحة وشبه إهانة وقلة قيمة، رغم أن ذلك غير صحيح تماما.
فيروس كورونا مثله مثل أى فيروس، مرض يمكن أن يصيب أى شخص، ولا يوجد من هو معصوم منه.
كنت أعتقد أن هذا السلوك قاصر على بعض أهالينا فى الريف، لكن فوجئت أنه موجود عند من نعتقد أنهم نخبة. قبل أيام سرت شائعة قوية بأن أحد كبار رجال الأعمال قد أصابه المرض، وبعدها بساعات خرج عدد من المقربين منه ينفى بكل الطرق الخبر.
لكن كان الملاحظ على صيغة النفى هو الإحساس بالخجل من احتمال حدوث ذلك.
ما الذى يجعل الناس عندنا تخجل من الإصابة بكورونا، وتنظر إليه باعتباره فضيحة وقلة قيمة؟!
هل هؤلاء يتعاملون معه باعتباره نوعا من الجرب مثلا، وحتى لو كان كذلك، فحتى الجرب مرض يفترض أن نتعامل مع المصابين به باعتباره مجرد مرض قابل للشفاء شرط اتباع التعليمات الصحية والطبية الواجبة.
لو كانت الإصابة بكورونا فضيحة، ما رأينا كبار السياسيين والدبلوماسيين وقادة الجيوش والفنانين والشخصيات العامة يخرجون علنًا ويعترفون بأنهم أصيبوا بالفيروس.
خلال الأيام الماضية عرفنا أن هذا المرض اللعين أصاب رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، وقبله العديد من وزراء حكومته خصوصا وزير الصحة، ووزيرة الدولة للصحة، وولى العهد البريطانى الأمير تشارلز، وزوجة رئيس الوزراء الكندى، وأصاب رئيس الأركان الإيطالى، وقائد الجيوش البولندية وأمير موناكو، ووصل إلى كبار الفنانين العالميين مثل توم هانكس وإدريس ألبا.
وفى إيران ضرب الفيروس العديد من المسئولين، وآخرهم رئيس البرلمان على لاريجانى، بل إنه تسبب فى وفاة العديد منهم.
ويوم الخميس الماضى تم الإعلان عن احتمالية إصابة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بالمرض، بعد التأكد من إصابة وزير الصحة الإسرائيلى الذى التقى نتنياهو قبلها بومين.
السؤال لبعض أهالينا الذين يشعرون أن الإصابة بكورونا مهينة وفضيحة، ولماذا لا يشعر كل كبار المسئولين فى العالم بنفس الشعور إذا كان الأمر كذلك؟!.
يقول كثيرون إن أحد أهم ما يميز فيروس كورونا أو «كوفيدــ١٩» أنه لا يفرق بين غنى وفقير، بين قوى وضعيف، بين أمريكى وموزامبيقى، بين صعيدى وبحراوى، بين أهلاوى وزملكاوى، بين شيعى وسنى، أو مسلم ومسيحى، أو أوروبى وإفريقى.
هو فيروس عادل جدًا، يصيب الجميع، بل إن إحدى الملاحظات أنه ضرب الكبار والأغنياء فى العالم أكثر كثيرا مما ضرب الفقراء والدول الصغيرة، ولا نعرف تفسير ذلك حتى الآن، وإن كان البعض يرجع ذلك إلى أن الدولة الفقيرة لا تملك المعدات والأجهزة والأدوات والإمكانيات التى تجعلها تتقصى وتترصد الفيروس، حتى تعرف حجم الإصابات الحقيقية.
إلى أهالينا فى كل مكان فى مصر: المرض ليس عيبًا وكورونا ليس فضيحة، وما حدث فى قرية الهياتم بالغربية، وغيرها من الأماكن التى ضربها الفيروس لا يصح. وتذكروا أن كل من خالفوا التعليمات الصحية واستهتروا بها من البداية دفعوا ثمنًا فادحًا فى النهاية، وإذا كان من حق البعض أن يرفض تسلُّم مساعدات فليس من حفه التظاهر ضد فرض العزل والحظر الجزئى أو الكلى؛ لأن القرار هنا لا يتعلق بالحريات، بل بصحة المجتمع وسلامته ككل.. السعودية فرضت حظرا كاملا وشاملا على مكة والمدينة والقطيف والدمام، وإسرائيل فرضت حظرا شاملا على مدينة بينى بارك قرب تل أبيب، التى يقطنها المتشددون، الذين راحوا ضحية الاستماع إلى فتاوى حاخامات قللوا من خطورة المرض، بنفس الطريقة تحدث بها جهلاء فى الإسلام والمسيحية.
علينا أن نصبر ونتحمل قليلا، ونضحى كثيرا؛ حتى لا يتفشى المرض كما حدث فى العديد من البلدان، البعيدة والقريبة. قد يسأل البعض: وهل من العدل ان تلوم الناس البسطاء فقط؟!.
أليس من المنطقى، أن تسأل أيضًا: وما الذى يدفع الناس إلى رفض الذهاب إلى المستشفيات والحجر والعزل الصحى؟ أليس هناك احتمال بأنهم يدركون أن الأوضاع فيها أصعب وأسوأ؟!.
سـؤالٌ يحتاج لنقاش موسَّع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved