بيتكوين: المغامرة العظيمة والمعادلة الصفرية

محمد الهوارى
محمد الهوارى

آخر تحديث: السبت 3 أبريل 2021 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

من أصعب مهام مدير الاستثمار أن يبدى رأيه عن سوق معينة أثناء فقاعة اقتصادية. وبذلك فهى تعد مغامرة أن أبدى رأيى فى البيتكوين فى أوج تألقه. البيتكوين فى رأيى أشبه بفقاعة التيوليب التى حدثت فى هولندا منذ أكثر من أربعمائة عاما، عندما وصل سعر بصلة التيوليب الواحدة إلى سعر منزل فى أمستردام، ولكن بعد انهيار تلك الفقاعة ظل سعر التيوليب يهبط حتى وصل إلى سعره الطبيعى. وقد عرفت هذه الفقاعة فيما بعد باسم جنون التيوليب أو Tulip Mania. أما صعوبة الحديث عن الفقاعات فيأتى من قدرة هذه الفقاعات على الاستمرار لمراحل غير معقولة. ينسب للاقتصادى الكبير جون ماينارد كينيس مقولة شهيرة وهى أن للسوق القدرة أن تظل فى مرحلة اللا معقول أكثر من قدرتك على تحمل الخسائر بدون إفلاس. بمعنى آخر، الرهان ضد الفقاعات يعد من أصعب مهام مدير الاستثمار، فإذا راهنت ضد الفقاعة مبكرا، حتى وإن كنت على صواب، من الممكن أن تفلس قبل أن يثبت صدق توقعاتك. ولذلك فمديرو الاستثمار الأسطوريون القادرون على إدارة مثل هذا الرهان قليلون ومعروفون بالاسم، ومنهم مثلا جورج سورس والذى اكتسب لقب «الرجل الذى كسر بنك إنجلترا» عندما راهن علانية ضد ادعاءات محافظ البنك المركزى عن قوة الاسترلينى وذلك فى أوائل تسعينيات القرن الماضى فى صفقة شهيرة كسب منها مليار دولار لعملائه، وذلك فى وقت كان فيه المليار دولار مبلغا رهيبا.
من علامات الفقاعة أن مجرد مناقشة أسس عملات الكريبتو الرقمية، والبيتكوين خاصة، أصبح يعرض الطرف المتشكك للهجوم. يحدث ذلك فى الفقاعات لأن من اشتروا البيتكوين مثلا تحولوا من مجرد مستثمرين إلى مريدين. يدافعون عنه باستماتة ويجدون فيه، أو هكذا يدعون، قدرات خارقة. فيدعون أنها العملة اللا مركزية التى لا تسيطر عليها حكومات فهى بذلك قائدة للحرية الاقتصادية والديمقراطية التى ستضع الثروات فى جيوب الطبقات المتوسطة التى هُضِم حقها من الرأسمالية المتوحشة. لم يتبق سوى أن يدعوا أنها تشفى المرضى وتحول الماء إلى نبيذ. الحديث مع مريدى البيتكوين تحول مؤخرا، ومع ارتفاع سعره، إلى حوار مع مجذوبين مثل الذين يتبعون مدعى النبوة. فهم ينسبون له قدرات غير حقيقية وليس لها معنى. بل انهم يحاولون إعادة تعريف علامات الفقاعة المعروفة على انها أسس جديدة فى علم الاقتصاد لا يفهمها سوى الأجيال الجديدة. مثلا، ابتدع مريدو البيتكوين فكرة «تأثير الشبكة» وبالانجليزية Network Effect. هى تأثير حقيقى يؤثر على شركات التكنولوجيا وببساطة هذا التأثير معناه أن كلما زاد عدد مستخدمى خدمة ما فإنها ستجذب عدد أكبر من المستخدمين، وبالتالى ستكبر بصورة مطردة. مثال على ذلك مواقع التواصل الاجتماعى فكلما زاد عدد مستخدميها وجد من لا يستخدمونها أنفسهم خارج دائرة الحدث، فيتم بذلك دفعهم إلى استخدام مواقع التواصل مما يزيد من عدد مستخدميها، وبالتالى من عائداتها. يدعى مريدو البيتكوين أن شيئا من هذا يحدث مع بيتكوين ولكنهم يغفلون أن مواقع التواصل تؤدى خدمة ولكن بيتكوين لا يؤدى شيء فهو بذلك لا يمكن الحكم عليه بنفس أسلوب الحكم على شركات التكنولوجيا. إذن، ربما هو عملة، وتأثير الشبكة بالطبع موجود فى العملات. هى مثل نظام الكمبيوتر، فإذا نظرنا لأسباب قدرة شركة مايكروسوفت على الاحتفاظ بحجم توزيع مهول فى العالم بالرغم من وجود أنظمة أخرى تماثلها وقد تتفوق عليها فالسبب الرئيسى هو تأثير الشبكة. هو النظام الذى تدرب عليه أغلب موظفى العالم وبالتالى إذا عينت موظفا جديدا أو تعاملت مع عميل جديد فأنا أستطيع فى أغلب الاحوال الاعتماد على معرفته بأنظمة مايكروسوفت فلماذا أحاول استبدالها؟ نفس الشىء مع الدولار كعملة عالمية هى الأقوى والأكثر انتشارا، فإذا قمنا بمعاملات دولية، أصبح الدولار هو العملة الأسهل استخدامها حتى اذا كان طرفا التعامل غير أمريكيين. ولكن البيتكوين ليس دولار، فهو لا ينعم بانتشار الدولار أو سهولة استبداله بخدمات وسلع وكذلك بحماية أقوى دولة فى العالم صاحبة أكبر اقتصاد. هو حتى ليس يورو أو استرلينى أو يوان صينى. هو فى الحقيقة مجموعة من الكيلوبايت منظمة بأسلوب معين تم اطلاقها من جهة مجولة الهوية حتى اليوم باسم ساتوشى ناكاموتو Satoshi Nakamoto ولا أحد حتى يعلم إذا كان هذا الاسم لشخص أم منظمة أم مجموعة.
الأدهى من ذلك أن البيتكوين فى الحقيقة ليس ديمقراطيا البته، فقاعدة ملكيته فى الحقيقة ضيقة للغاية وتضيق أكثر عندما يرتفع سعره مما يعنى أن هناك من يقومون بالسيطرة عليه ورأيى أنهم يقومون بعملية «نفخ ثم رمى» Pump and Dump متكررة؛ حيث يقومون برفع السعر ثم رمى البيتكوين لصغار المستثمرين عندما يرتفع سعره ليقوموا بشرائه مرة أخرى عندما ينخفض. من ثلاث سنوات فى مارس ٢٠١٨، وجدت الاحصائيات أن حوالى 90% من البيتكوين الذى تم جمعه حتى هذا التاريخ يمتلكه نصف فى المائة من مستثمرى البيتكوين، فعن أى ديمقراطية وعدالة يتحدثون؟
ثم يدعى مريدو البيتكوين أن العملات الرقمية هى مستقبل العملات فى العالم وهذا صحيح. ولكن تخيل معى هذا السيناريو الحقيقى حيث تحاول الصين الآن أن تفرض اليوان الإلكترونى كعملة رقمية رائدة وذلك كمدخل لها لتأخذ من نصيب الدولار فى التعاملات العالمية، وهدفها الرئيسى المحافظ الشخصية فى العالم كله. بالمناسبة الصين لديها بالفعل البنية الأساسية لتقوم بهذا المشروع فإذا دخلت المحلات الكبرى فى لندن مثلا ستتمكن كمواطن صينى أن تدفع وتسترد الضرائب كسائح على خدمة Alipay الصينية. تقوم الصين حاليا بتنظيم شركات التكنولوجيا التمويلية Fintech فى منظومة متكاملة تجعل البنية الأساسية والرقمية مهيأة بالكامل لليوان الصينى كعملة رقمية رائدة تغزو بها العالم وتحميها الصين كدولة قوية وكاقتصاد كبير. هل تتخيل لثانية أنه عندما تكون الصين جاهزة لهذه الانطلاقة ستسمح بمنافس على أرضها. تجريم البيتكوين فى الصين معناه فقدان أحد أكبر أسواق العالم. بل أكثر من ذلك، فى ورقة بحثية نشرها راى داليو مدير أكبر صندوق تحوط فى العالم فى منتصف مارس من هذا العام قال فيها إنه يتوقع تجريم البيتكوين فى العالم أجمع؛ لأن فائدته الوحيدة الحقيقية هو كأداة لتهريب الأموال والحكومات لن تسمح بذلك خاصة مع بروز أهمية الالتزام الضريبى لتحقيق العدالة الاجتماعية.
الخطوة التالية أن يقول مريدو البيتكوين إن ما سيحدث أن أحد البلاد الكبرى مثل انجلترا مثلا عندما تقرر أن تنافس فى سوق العملات الرقمية ستجد أن الأسهل لها أن تسيطر على سوق البيتكوين ويصبح بذلك عملتها الرقمية. عندها أبدأ الشعور أننى محبوس فى المصعد فى فيلم بين السما والأرض وأن من يحدثنى هى شخصية العبقرى عبدالمنعم ابراهيم وهو يزم بشفتيه ويلعب بإصبعه ويقول: «فى مجنون فى الأسانسير». فعندما تسأله عن سبب أن يقوم بنك إنجلترا مثلا بهذه الفعلة غير المفهومة بأن يحاول الاستحواذ على عملة لا يسيطر عليها ولا يعلم حتى من اخترعها بدلا من اطلاق عملته وتجريم البيتكوين يكون الرد أنك لا ترى المستقبل وليس لديك الرؤية وبذلك فأنت للأسف لم يتم اختيارك لتكون من ضمن شعب البيتكوين المختار.
للأمانة أنا لا أقول إننى لم ولن أمس البيتكوين، فعملى كمدير استثمار محترف يجعلنى أعرف كيف أتعامل مع الفقاعات وأن أحقق بعض الاستفادة منها بشرط تجنب المخاطرة الكبيرة. هو نفس ما قام به مديرو صناديق تحوط آخرون كبار مثل بول تيودور جونز ومثلى الأعلى ستانلى دراكينميلر ولكن أن نعتبر البيتكوين استثمار حقيقى لدرجة التفكير فى استثمار جزء من مدخراتنا فيه فهذا ما أعتبره جنونا حقيقيا. أقول قولى هذا وأنا أعلم أن الفقاعة من الممكن أن تكبر وتتضاعف عدة مرات قبل أن يثبت صدق أقوالى، وبالتالى فأنا أعطى الفرصة لمريدى البيتكوين بأن تتأكد صدق أفكارهم أن هذه المرة الفقاعة مختلفة ولكن وبكل صدق أتمنى أن يخرجوا منها سالمين لأن بينما يمثل البيتكوين مغامرة شيقة وعظيمة فإن نهاية طريقها الحتمى هو الوصول للقيمة «صفر»!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved