هل ردع الإخوان من مهام القضاء؟!

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 3 مايو 2014 - 5:40 ص بتوقيت القاهرة

أعجبتنى عبارة مفكر رائع تجمعنى به أخوة صادقة حينما قال: «النظام السياسى فى مصر الآن ليس نظاما رئاسيا ولا برلمانيا».. فعجبت لكلمته وقلت له: فما هى هويته السياسية إذا؟.. قال «إنه نظام قضائى».. تفكرت فى الأمر فوجدت أن الجميع يحيل كل مشكلاته المستعصية التى يريد الهروب منها إلى ساحة القضاء.. ويحول القضايا السياسية والمجال العام إلى دعاوى قضائية.. وساحات المحاكم هى ساحات فصل لا تردد فيه.

أما ساحات المجال السياسى العام فهى ساحة جدل وتلاقح سياسى.. حتى علاقة الخصوم السياسيين تحولت من الاشتباك المدنى وصناديق الانتخابات وإقناع الشارع إلى ساحات القضاء.. رغم أن القضاء ليست مهمته حسم الصراعات السياسية.

ولأننا لا نملك جميعا أى أدوات للاشتباك السياسى المدنى الحديث الذى يفيد الوطن ويطور كل الأطراف السياسية نحو الأفضل فإن الحل الأسهل أن نلقى بكل المشكلات على كاهل القضاة لنقتل القضاء.. أو نجعل بعض القضاة يذبحون القضاء.

وهنا يتم تسييس القضاء رغم أنفه وعلى غير رغبته ودون إرادته.. ولكن جميع القوى تريد له ذلك وتكرهه عليه.. فهم يبحثون عن اليقين فى السياسة التى ليس فيها يقين أو حسم أو فصل.. هم يريدون لأنفسهم الراحة على حساب القضاء.

لقد تحول القضاء فى مصر فى الآونة الأخيرة من سلطة فصل بين السلطات إلى سلطة حكم.. بل حول البعض قاضى الأمور المستعجلة إلى حاكم سياسى ومحكم اقتصادى ولاغٍ لعقود لو ألغيت قد تحدث ضررا ًماديا ومعنويا للدولة.. فهناك بعض المحامين المسيسين والهواة الذين يريدون شغل القضاء دوما بقضايا ليست من اختصاصه.. فالكل يريد من القضاء أن يكون دولة أخرى تسانده فى فكره السياسى أو الدينى أو رغباته فى السلطة أو فى ضرب خصومه.. ولا يبرأ من ذلك فصيل على الإطلاق فقد شغل بعض محامى الحسبة القضاء فى الفترة السابقة بقضايا الفكر والفن وغيرها.

فالقضايا الدينية لا تناقش أصلا فى القضاء ولا تحل فى ساحاته.. فالفكر يرد بالفكر.. والغواية ترد بالهداية.. وكما عانت مصر من المحتسب الدينى الذى لا يفهم الدين فيحيل كل أسبوعين كتابا أو أديبا أو روائيا إلى القضاء.. فتنتشر الرواية أكثر وتباع أضعافا بعد أن كانت هملا على الرفوف.

واليوم تعانى مصر من المحتسب السياسى الذى يحول القضايا السياسية إلى ساحة القضاء.. فالسياسى لا يحسم إلا بالحوار وصناديق الانتخاب وليس بأحكام القضاء.

وهناك المحتسب الاقتصادى الذى يحول القضايا الاقتصادية إلى القاضى المستعجل الذى يلغى العقود السابقة لأى شبهة فتتعرض مصر فى كل القضايا للتحكيم الدولى الذى ستخسر فيه بطبيعة الأمر.

يا قوم الاحتساب غير القضاء.. لقد استقطب القضاء نحو الاحتساب الدينى فى السبعينات واليوم قد يستقطب نحو الاحتساب السياسى والمدنى والاقتصادى.

إن القضاء يحتاج إلى مجلس القضاء الأعلى الذى تهفو إليه الأنفس كلها ليعجل بالفصل بين ما هو قضائى وسياسى.. وما بين هو قضائى واقتصادى؟.. ومن بين هو قضائى وفكرى؟.. وما بين هو قضائى وحزبى.

فالبعض يردد اليوم أن القضاء هو رأس الحربة فى ردع الإخوان أو الإرهاب أو الإسلاميين.. وينسى أن القضاء ليس مهمته الردع أو التخويف أو محاربة الإرهاب.. ولكن مهمته الالتزام بضوابط القانون وتحقيق العدالة فى الخصومة التى ينظرها.. حتى وإن صب تحقيق العدالة فى مصلحة أى أحد.. أو صب فى مصلحة خصوم الدولة.

فقد حكم القاضى شريح على الخليفة على بن أبى طالب لصالح يهودى.. لأن الخليفة على بن أبى طالب لم يكن يملك دليلا على ملكية سيفه.

وأذكر أن المستشار سعيد العشماوى كان شديد الوطأة على الإسلاميين فكريا ولكنه إذا جلس على منصة القضاء كان يحكم بالعدل على خصومه الإسلاميين.

لقد قيل لشارل ديجول بعد الحرب العالمية الثانية: «لقد دمر الألمان كل شىء فى فرنسا.. فرد عليهم قائلا: مادامت فرنسا لا يزال فيها قضاء وجامعات إذا سنعيد بناء الدولة».

لقد عايشت بنفسى نموذجا فذا للقضاء وهو المستشار عبد الغفار محمد الذى حاكم 302 متهما فى أحداث 1981.. فظل يستمع للنيابة والمحامين والمتهمين ثلاث سنوات كاملة.. وكان يحفظ أقوال كل متهم وأعطى كل ذى حق حقه.. وكتب أعظم حيثيات فى تاريخ مصر القضائى كله.. ومات وهو لا يملك من حطام الدنيا شيئا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved