الدولة الخطرة

ريم سعد
ريم سعد

آخر تحديث: الأحد 3 مايو 2015 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

لفت نظرى تصريح الأستاذة بثينة كشك، مدير مديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة والمسئولة عن واقعة حرق الكتب فى فناء مدرسة فضل الحديثة بالهرم والذى أعربت فيه عن تعجبها من قرار وزير التعليم بإحالتها للتحقيق، والذى جاء فيه أن الوزارة قد أكدت لهم من قبل ضرورة «القضاء على أى شىء خطر، حتى ولو كان إنسان، من خلال استبعاده»، وذلك حسبما جاء بجريدة الشروق بتاريخ 16 أبريل 2015.

صحيح أن واقعة حرق الكتب قوبلت بما تستحقه من استهجان من الرأى العام والحكومة على السواء ولكن رغم انتهاء الواقعة فإن تصريح الأستاذة بثينة يظل مهما لأنه يشير إلى مسألة مهمة، وهى مفهوم «الخطر» عند القائمين على حكم البلاد وطريقة تعاملهم مع هذا الخطر، فهناك أولاً التوسع الشديد فى تصنيف أى مشكلة على أنها «خطر» حتى يكاد تعريفه يشمل كل ما يخرج عن التعليمات التى كانت تطبع على ظهر الكراسة مثل «اغسل يديك قبل الأكل وبعده» و«احترم والديك ومعلميك«و «حافظ على نظافة بيتك ومدرستك وشارعك» و«الذباب عدوك فاقتله»، وثانيا فإن هذا المفهوم غالبا ما يرى الخطر كشىء مادى مجسم يتم القضاء عليه باستبعاده وإبادته. ترتبط تلك النظرة برؤية قاصرة وخطيرة أيضا عن ماهية الحلول الجذرية والتى تتلخص فى إبادة العَرَض وليس اقتلاع أسباب المرض، ففى حالتنا هذه هناك تصور أن حرق الكتب هو نفسه إبادة للأفكار التى بداخلها. نعلم بالطبع أن قائمة الكتب المحروقة انتشرت بسرعة رهيبة عقب واقعة الحرق وأقبل الكثيرون بدافع الفضول أو غيره على قراءتها ومحاولة اقتنائها.

•••

هناك خطورة حقيقة فى مفهوم هذه السلطة عن «الخطر«، وأورد هنا مثال آخر، وهو الخبر الذى نشرته العديد من الصحف والمواقع فى 4 ابريل 2015 حول قيام وزيرة التضامن الاجتماعى بتحويل جمعية أهلية تعمل فى مجال التوعية من عدوى الأمراض الجنسية للتحقيق بعد بلاغ عن قيام تلك الجمعية بتدريب حول طرق «الجنس الآمن»، وهى بالمناسبة على رأس طرق الوقاية من انتقال عدوى الأمراض الجنسية، وعلى رأسها الإيدز ووسيلة رئيسة للحد من انتشاره. خطورة هذه القصة أنها تشير إلى الطريقة الكارثية المعتمدة التى تتعامل بها الدولة تجاه مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، وأحيلكم هنا إلى مقال فى غاية الأهمية للباحثة المتخصصة أمانى مسعود، والذى نشر فى موقع «مدى مصر» بتاريخ 18 أبريل 2014 بعنوان «هى نريد حقا علاج الإيدز؟»، والذى تستعرض فيه الباحثة الطريقة التى تتعامل بها الأجهزة الرسمية فى قطاع الصحة وغيره مع مرض الإيدز وكيف تشارك فى وصم واضطهاد المرضى والفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض مثل مدمنى المخدرات والمثليين ما ينتج عنه الإحجام عن إجراء التحاليل أو تلقى العلاج خوفا من المطاردة والاضطهاد ومثال ذلك حالات القبض على مواطنين، وجدت فى حيازتهم وسائل للحماية من انتقال العدوى، مثل سيرنجات نظيفة أو «واقٍ ذكرى». ليس لهذه التصرفات سوى نتيجة واحدة، وهى المساعدة على تفشى الوباء.

نحن إذا أمام سلطة ترى الخطر فى الحديث عن الجنس الآمن ولا تراه فى انتشار الإيدز. الأمثلة كثيرة ولا يتسع المجال لذكرها والحقيقة أنه ليس أخطر من مفهوم هذه السلطة عن الخطر وطرق تعاملها مع ما تراه كذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved