استعادة عظمة إفريقيا بتخفيض تلقيها للمعونات

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 3 مايو 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

نشر معهد بروكنجز الأمريكى مقالا لـ«آنجيلى كويمو» ــ المتخصصة بالشئون الإفريقية ــ حول القارة الإفريقية وكيفية جعلها عظيمة ومستقلة من جديد وذلك بالحد من اعتمادها على المعونات والسبل اللازمة لتحقيق ذلك خاصة مع توقع انخفاض المساعدات إليها خلال الفترة المقبلة.

تستهل الكاتبة المقال بالإشارة إلى الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب وكيف أنه خلال الشهور القليلة الأولى من توليه منصبه كان وما زال كثير التأكيد خلال خطاباته وجدول أعمال إدارته على أن أمريكا تأتى أولا وبعد ذلك يمكن أن يأتى أى شىء آخر. ونتيجة لهذه الرؤية فإنه فى 6 مارس الماضى عرض ترامب مقترحه الأول لميزانية الولايات المتحدة والتى عكست بشكل كبير عزمه على جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى؛ حيث اقترح بالميزانية الجديدة زيادة الإنفاق العسكرى بنحو 54 مليار دولار مع تخفيض الإنفاق الحكومى فى البرامج غير الدفاعية، وعلى الرغم من أن المعونة الخارجية للولايات المتحدة لا تمثل سوى 1% من الميزانية إلا أن ذلك لم يمنع احتمالية خضوعها لخفض كبير.
فى سياق الحديث عن المعونة الأمريكية تجدر الإشارة إلى أن القارة الإفريقية تستقبل نحو 20% من المساعدات الأمريكية، وتأتى مصر وكينيا وجنوب السودان على رأس المستفيدين من هذه المساعدات. على الرغم من أن الكثيرين يرون أن خفض الإنفاق الدولى سيؤثر سلبا على المشروعات الإنمائية إلا أن هذا التخفيض يجب أن ينظر إليه كفرصة للقارة من أجل تطوير علاقاتها بالولايات المتحدة وأخذها إلى منحى جديد لا يعتمد فقط على المعونة بل على الشراكة ــ التى بالطبع يصاحبها التبعية والتدخل فى كثير من الشئون الداخلية للدول المستقبلة لهذه المعونة.
***
تضيف الكاتبة أنه على الأفارقة تحديد أولوياتهم والعمل على تنفيذها، وألا يكونوا مجرد رد فعل للسياسات التى يتخذها الغرب. لكن التساؤل الذى يثار هنا: هل الحد من المساعدات الخارجية التى تتلقاها إفريقيا سيمثل ميزة أم لعنة على مستقبل القارة وأبنائها؟ تجيب «كويمو» أن الأمر ذو حدين؛ فالبلدان الإفريقية تتلقى مساعدات أجنبية منذ استقلالها، ولا يمكن إنكار أن بعض برامج المساعدة الإنمائية الأمريكية ولا سيما تلك التى ركزت على المواطنين والبلاد والتى قد أظهرت نتائج إيجابية للغاية وحفزت الاقتصاد المحلى، كالمشروعات التى تمحورت حول الزراعة وتنظيم مشروعات للشباب، لكن على الرغم من هذه النجاحات التى حققتها يرى العديد من المتخصصين أن هذه المساعدات فى بعض الأحيان كانت ترسخ من ثقافة التبعية بالقارة، كما أنها عززت فكرة الأبوية بدلا من شراكة بين طرفين، أى أن الأمر أصبح تبعية من القارة تجاه الولايات المتحدة ــ أو من قدم المساعدات بشكل عام. فى أعقاب ذلك كله يتعين على الحكومات الإفريقية أن تغتنم فرصة تخفيض المساعدات لتطبيق السياسات التى تحفز الديمقراطية وتهيئ البيئة لبناء الرخاء بالقارة من خلال أولويات ملموسة على أرض الواقع؛ كخلق فرص العمل والتكامل الإقليمى والعمل على عقد الاتفاقات التجارية.
بنظرة أكثر عمقا على هذه الأولويات التى ينبغى على القارة تحقيقها تأتى خلق فرص العمل على قمة الأولويات، خاصة أن إفريقيا لديها أصغر فئات عمرية بسكانها فى العالم؛ حيث تتراوح أعمار 200 مليون شخص من سكانها بين 15 و24 عامًا، ومن المتوقع تضاعف ذلك العدد بحلول 2045 ــ وفقا للبنك الإفريقى للتنمية. تأتى هذه الأولوية ملحة للغاية فى ظل احتياج القارة إلى توفير نحو 74 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020. نتيجة لذلك فإن الحكومات الإفريقية أصبحت بحاجة ماسة إلى وضع سياسات وخطط تنفيذية تسمح للقطاع الخاص بأن يكون أكثر قدرة على المنافسة بما يدعم الأعمال التجارية وخلق فرص العمل وتحفيز القارة ككل من خلال تبنى مبادئ كالحكم الرشيد والشفافية والنظم القضائية المستقلة وتحسين مناخ الاستثمار وتطوير التعليم بما يتوافق وسوق العمل مما يساعد على إيجاد قوة عاملة ماهرة، وبالتأكيد مع كل هذا لا بد من العمل على الحد من الفساد.
فيما يتعلق بالأولوية الثانية المتعلقة بالتكامل الإقليمى، فمن أجل إنهاء الاعتماد على المساعدات الغربية ينبغى على الحكومات الإفريقية أن تسعى إلى تحسين مبادرات التكامل الإقليمى، والتى تعتبر ضرورة للحفاظ على التنمية وتشجيع التنمية طويلة الأجل للمنطقة بأسرها. ولا شك أن زيادة التجارة البينية الإفريقية ستمثل عنصرا مهما لتسريع النمو الاقتصادى ومعدلاته؛ حيث إنه سيزيد من المنافسة وسيعمل على تحسين الإنتاجية وتطوير الهياكل الأساسية المحلية.
أما الأولوية الثالثة والأخيرة المتعلقة بالاتفاقات التجارية؛ تقول عنها «كويمو»: إن مستقبل النظام التجارى الإفريقى بشكل عام يعتمد بدرجة كبيرة على ما ستتفاوض عليه القارة بنفسها وليس على ما تستحقه، لذلك يجب على القادة التوجه بحماس إلى الاتفاقات والمعاملات التجارية بما يحقق مصالح بلادهم، خاصة وأن تقرير التجارة الأخير المرسل من إدارة ترامب الجديد إلى الكونجرس قد عكس بشدة أن الولايات المتحدة سوف تحمى مصالحها فى المقام الأول فى أى اتفاقات تجارية مستقبلية.
***
فى سياق آخر تقول «ليندا توماس جرينفيلد»، الدبلوماسية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكى للشئون الإفريقية: إن القارة الإفريقية قد أحرزت تقدما هائلا فى الشأنين الديمقراطى والاقتصادى خلال السنوات الأخيرة، وأنها الآن تحتل مكانة مهمة على الساحة العالمية، كما أنه ينبغى على صناع السياسات الإفريقية العمل على مواصلة هذه الجهود وبشكل خاص تلك التى تعمل على تعزيز التجارة الإفريقية.
على الرغم من أن المساعدات لإفريقيا تبدو أنها تسير على نهج يعمل على تخفيضها إلا أن ذلك لا يعنى أن انخراط الولايات المتحدة بالقارة سينخفض بالتوازى مع ذلك. ترامب يجب أن يستمر بالمشاركة والانخراط بإفريقيا؛ خاصة أن المنطقة تحتل أهمية قصوى بالنسبة له بسبب اعتماد القوى الغربية عليها فى الموارد الطبيعية والتجارة والفرص الاقتصادية، والواقع أن انخراط أمريكا بالقارة سوف يخدم بشكل كبير المصالح الأمريكية وليس فقط أبناء القارة. فمثلا خلق فرص العمل فى إفريقيا ليس أمرا مهما فقط للنمو الاقتصادى الإفريقى بل ينعكس على الأمن الوطنى والعالمى ومنع انخراط الأفراد إلى المنظمات الإرهابية التى دوما ما تجد التدهور الاقتصادى وقلة فرص العمل ذريعة من أجل تجنيدهم ولا سيما الشباب منهم.
***
ختاما.. تقول الكاتبة: إنه سواء قامت إدارة ترامب بتخفيض ميزانية المساعدات الخارجية أم لا فإنه ينبغى على الحكومات الإفريقية أن تدرك أن ازدهار بلادهم ليس فى أيدى مسئولى البيت الأبيض، وأن إفريقيا تمتلك مفاتيح التنمية الخاصة بها، وعلى القادة الأفارقة أن لا يحزنوا بسبب هذه التخفيضات المحتملة، بل يجب أن يعملوا على تهيئة البيئة اللازمة لتعزيز الاقتصادات المحلية وجذب الاستثمار الأجنبى والتفاوض على نقل القدرات التكنولوجية إلى بلادهم وتشجيع نمو القطاع الخاص والقدرة التنافسية وزيادة التكامل الإقليمى.

النص الأصلى:

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved