العملاق الأفريقى ينهار

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: الخميس 3 يونيو 2021 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين أفيرز مقالا للكاتبين جون كامبيل وروبيرت روتبيرج تناولا فيه التهديدات الأمنية التى تجتاح نيجيريا وفشل الدولة فى توفير الأمن مع انتشار الجماعات والحركات المتطرفة، ويريان أن على حلفاء نيجيريا الدوليين وخاصة الولايات المتحدة الاعتراف بأن نيجيريا أصبحت دولة فاشلة وتقديم المعونة لها قبل أن تنزلق المنطقة فى فوضى عارمة.. نعرض منه ما يلى.
نيجيريا فى ورطة كبيرة. إذا كان واجب الدولة احتكار استخدام العنف وتأمين مواطنيها، فنيجيريا فشلت فى ذلك، حتى لو كانت جوانب أخرى فى الدولة ما زالت تعمل. يهدد المجرمون والانفصاليون والمتمردون سيطرة الحكومة على السلطة، بالإضافة إلى الفساد والضائقة الاقتصادية وتزايد الفقر.
معظم الدول الفاشلة فى أفريقيا ــ مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والصومال وجنوب السودان ــ صغيرة أو هامشية، ولكن تفتخر نيجيريا بعدد سكانها الواصل 214 مليون نسمة ومن المرجح أن تصبح ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان بحلول عام 2050. قبل أزمة كورونا، امتلكت نيجيريا ثانى أكبر اقتصاد بعد جنوب أفريقيا. ولذلك، فشل دولة نيجيريا سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها.
ما زال يمكن إنقاذ نيجيريا. يدعو صناع الرأى البارزون فى نيجيريا إلى بديل للإدارة الحالية سواء من خلال مؤتمر وطنى لإعادة بناء الدولة أو من خلال تقسيم نيجيريا إلى دول أصغر أو من خلال انقلاب عسكرى. النيجيريون ينددون بعدم قدرة الحكومة الحفاظ على أمن مواطنيها ولكنهم يدعمون طلبها للمساعدة الخارجية سواء اقتصادية أو عسكرية.
شركاء نيجيريا الدوليون، خاصة الولايات المتحدة، عليهم الاعتراف أن نيجيريا أصبحت دولة فاشلة، هذا الاعتراف من شأنه أن يعمق من تعاونهم مع نيجيريا. وعليهم السعى لجعل الحكومة الحالية تعترف بمسئوليتها فى هذا الفشل وأيضا التعاون معها لتوفير الأمن وتصحيح الاقتصاد. بالإضافة إلى دعم وإشراك المجتمع المدنى فى عملية إعادة الإعمار بقيادة نيجيرية. نجاح هذا ليس مضمونا، ولكن بدائله من انتشار أمراء الحرب والنزاعات الدينية والعرقية وأن تصبح نيجيريا ملاذا آمنا للإرهابيين سيهدد مصالح القارة ومصالح الولايات المتحدة.
لا تزال نيجيريا تحتفظ ببعض سمات الدولة الناجعة، خاصة فيما يتعلق بالشئون الدولية؛ لها بعثات دبلوماسية فى جميع أنحاء العالم، ولا تزال أجهزتها الأمنية الوطنية تعمل فى بعض الأماكن أحيانا، على الرغم من أن قيادتها تعتبر فاسدة. فى الداخل، لا تزال الهيئة التشريعية فى البلاد، الجمعية الوطنية، تجتمع، ولا يزال القضاء يعمل، على الرغم من عدم اكتساب ثقة العديد من النيجيريين. ولكن الدولة النيجيرية فشلت منذ فترة طويلة فى توفير الخدمات لمواطنيها، ولا تستطيع الحكومة فرض ضرائب على الثروة الحقيقة، ولا تزال تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، وتخرج من أزمة مالية لتدخل فى أخرى. الفساد هيكلى يصور كل شخص على أنه الجانى والضحية.
حولت العديد من الأزمات الأمنية المتداخلة نيجيريا من دولة ضعيفة إلى دولة فاشلة. كافحت حكومة الرئيس محمد بخارى لقمع حركات التمرد المختلفة، بما فى ذلك هجمات بوكو حرام، وأخفقت فى حل الصراعات الأهلية الأخرى والاشتباكات على الأرض والمياه والتى اتخذت أبعادًا عرقية أو دينية. تتصاعد الانفصالية مرة أخرى فى يوروبالاند وفى المناطق التى كانت تشكل ولاية بيافرا ذات يوم، وهى المنطقة التى خاضت حرب انفصال فاشلة ضد حكومة نيجيريا بين عامى 1967 و1970. وتنتشر عمليات الاختطاف فى جميع أنحاء البلاد، وكذلك القرصنة فى خليج غينيا.
لقد أثبتت حكومة بخارى أنها غير مستعدة لمواجهة هذه التحديات. فلم تستطع شن حملات عسكرية دائمة خارج العاصمة أبوجا، وحتى فى مناطق أخرى لا تتحدى فيها الجماعات الإرهابية سلطة الحكومة بشكل مباشر.
تمارس قوات شبه شرطية إقليمية والميليشيات ــ التى ترتبط أحيانًا بحكومات الولايات ــ سلطة الأمر الواقع فى بعض المناطق. لكن فى كثير من المناطق الأخرى تنازلت الحكومة الفيدرالية فعليًا عن سيطرتها للمسلحين والمجرمين. لقد انهار القانون والنظام، واضطرت المدارس إلى الإغلاق فى العديد من المناطق الريفية. وأدت الأزمة الاقتصادية المصاحبة لوباء كورونا والتى تفاقمت مع انخفاض أسعار النفط إلى تسريع انزلاق نيجيريا فى فوضى.
طلبت حكومة بخارى المساعدات الدولية لوقف موجة انعدام الأمن. فى اجتماع أبريل مع وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين، ذكر أن بخارى طلب نقل مقر القيادة الأمريكية فى أفريقيا من ألمانيا إلى نيجيريا بحيث تكون أقرب من مواقع قتال الجماعات الإرهابية فى شمال نيجيريا. وفى حين أن الرئيس النيجيرى يبدى استعداده بتدخل الولايات المتحدة لمواجهة الجماعات الإرهابية، إلا أنه لا يبدى استعدادا لمعالجة القضايا الأعمق المتعلقة بالحكم والفساد وسوء إدارة الاقتصاد.
غالبًا ما يتم الاحتفاء بنيجيريا لقدرتها على التغلب على حالات الطوارئ؛ مثلما فعلت خلال الحرب الأهلية 1967 ــ 1970، ومواجهة تقلبات أسعار النفط الدولية وهبوطها والأزمات المالية المتكررة. ربما لا تزال نيجيريا قادرة على التغلب على الأزمة الحالية، لكن يبدو أن ذلك غير مرجح نظرًا لمستوى انعدام الأمن وإمكانية أن تتسبب الانتخابات العامة فى 2023 فى إثارة المزيد من العنف والفتنة.
يمكن لشركاء نيجيريا الدوليين المساعدة فى تجنب هذه النتيجة وإنقاذ نيجيريا من الفشل. طالما بقى بخارى فى منصبه، يجب على الولايات المتحدة الاستمرار فى التنديد علنا بانتهاكات إدارته لحقوق الإنسان، كما يتعين عليها إلغاء تأشيرات المسئولين النيجيريين ورجال الأعمال المتورطين فى جرائم ضد حقوق الإنسان. على الولايات المتحدة الاستجابة لطلبات نيجيريا العسكرية بحذر، ويجب على المساعدات العسكرية أن تكون مشروطة بإصلاح حقيقى وملموس. ويمكن للولايات المتحدة وأصدقاء نيجيريا أن يحثوا المؤسسات المالية الدولية على دعم نيجيريا فى تحرير أسعار صرف عملتها والمساعدة فى تعزيز استقلالية بنكها المركزى. قد تنظر واشنطن أيضًا فى دعم جهود نيجيريا لمحاربة الفساد.
فى نفس الوقت، يجب على الولايات المتحدة أن تضغط من أجل إعادة إعمار نيجيريا. من خلال التبادلات والمؤتمرات والمشورة الفنية وغيرها من أدوات «الدبلوماسية الناعمة»، يجب على الولايات المتحدة أن تساعد المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية النيجيرية فى جهودها لتعزيز الديمقراطية. يجب على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن تولى اهتمامًا خاصًا لتعزيز الديمقراطية ودعم تدريب القادة السياسيين ونشطاء المجتمع المدنى.
الوقت ينفذ وقد تسوء الأحوال بسرعة فى نيجيريا. متمردون على الأبواب وتهديدات داخلية للسلم والأمن. يتمتع النيجيريون بالمرونة، لكن جهودهم لعكس مسار انهيار الدولة تتطلب دعمًا فوريًا.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved