ليلة الزفاف

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 3 يونيو 2022 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

تعمدت أن أجعل صديقى الشاب تونى تيسير أن يقرأ لى النص الأدبى الكامل من أقصوصة «ليله الزفاف» للكاتب توفيق الحكيم، بهدف أن أشجعه على قراءة الادب المصرى باعتبار أنه من عشاق السينما المتحمسين، وهو الذى لا يميل إلى كتاباتى التى أشير فيها إلى مصادرالافلام الاجنبيه، وقد أتاحت لى هذه القراءة معايشة هذا النص الادبى الذى به تشابه ملحوظ مع الروايه الفرنسيه «ملك الحديد» التي نشرها جورج اونيه عام ١٩١٨، وهى رواية شعبية منتشرة فى الثقافة الفرنسية وقد اقتبسها المصريون اربع مرات فى أفلام هى « قلب المرأة» اخراج توجو مزراحى ١٩٤٠، ثم قام بركات بإخراج فيلم «ارحم دموعى» عام ١٩٥٢وأيضا «ليله الزفاف» عام ١٩٦٦ عن الاقصوصة التى كتبها توفيق الحكيم انا المرة الاخيرة فهى «حب وكبرياء» اخراج حسن الامام ١٩٧٢. فى كل هذه الافلام لم تتم الاشارة إلى القصه الاصلية ولعلنا مررنا على هذا الامر من قبل لكن ما نود الوقوف عنده هو لماذا تعمد الحكيم أن ينشر القصة على انها من تأليفه، وكل ما فعله هو أنه قام بتلخيص الرواية بأسلوب رشيق لتنشر فى ١٥ صفحة وحيث قام بحرف الشخصيات الثانويه فى الروايه والكثير من الاحداث وغير من شخصية الاب ليكون سيد قراره: هى أم العروسه التى تتمنى ان تزوج ابنتها لطبيب شاب، جسده فى السينما احمدمظهر امام كل من سعاد حسنى وأحمد رمزى وحسين رياض وعقيلة راتب، بالطبع ليست هذه المرة الاولى التى يقوم الحكيم فيها باقتباس قصة فرنسية ففى نفس المجموعة القصصية هناك قصة اخرى طويلة باسم طريد الفردوس تحولت ايضا إلى فيلم فى العام التالى.
أغرب ما فى الموضع هو ماذا حدث فى ليلة الزفاف الفرنسية وأيضا المصرية، فالعروس التى تحب شابا آخر تزوجت لأسباب اقتصادية إنقاذا لأسرتها من الإفلاس وتبعا لما حدث فإنها تخبر زوجها الثرى انها لا تحبه ومغرمة بشاب آخر ويقوم الزوج الفرنسى بتفهم حالة العروس العاشقة، يتفق معها أن يطلقها بعد فترة، حتى لا تكون هناك فضيحة، قد يكون هذا أمرا طبيعيا فى المجتمع الفرنسى، ولكن الطبيب المصرى يتصرف فى الفيلم والقصة أقرب إلى ثقافة الأجانب، فكل ما تفعله عروسه بعد أن دخلت حجرتهما أن أباحت له أنها تحب شابا آخر وتتمنى أن تتزوجه، فى ثقافتنا المصرية تلقى العرسان الاربعة اعترافات العروس المدللة بمنطق الجنتلمان، ولا أعتقد بالمرة أن أيا من القراء لو مر بمثل هذه التجربة أن يفعل مثل العريس المصرى فهو منزوع الشرقية فى إحساسه، وسرعان ما يهديه فكره إلى الحل البديل، ألا يمسها وأن ينتظر شهرا قبل أن يطلقها، وفى هذا الشهر عليه أن يتصرف بغلظة كنوع من التمثيل لتبرير الطلاق المنتظر، وبدون أى تمهيد فإن النص الأدبى يخلو من التفاصيل وينام العريس على حاشية فوق الأرض يبدو من سذاجة الحدث أن الأم لم تلاحظ هذا الأمر طوال هذه الفترة وهذا أمر غريب على الحماة المصرية، ولعل هذا يعكس أن المؤلف المصرى ليس لديه خبرة حياتية بما يحدث فى حياة المصريبن، فقد دامت هذه الفترة شهرا كاملا ولم تدخل الأم غرفة ابنتها لتعرف الحقيقة وكل ما كانت تفعله هو أن تستمع إلى عريس ابنتها يحطم الزجاج أو الأكواب.
أكتب هذا المقال إلى صديقى الذى قرأ لى النص الأدبى وأطرح عليه عده أسئلة منها: لماذا تحمس بركات ابن الثقافة الفرنسية لمثل هذا النص مرة مأخوذ عن الرواية، والاخرى مأخوذ عن قصه توفيق الحكيم وهو يعلم أنها أبدا ليست قصة لتوفيق الحكيم، ولا شك أن كاتبنا قد أفرع كتاباته هنا من البعد الاجتماعى فى النص الفرنسى الذى يدور فى المجتمعات الصناعية ويتحدث عن انهيار المؤسسات الاقتصادية بسبب الحرب، ما يؤثر على مشاعر الناس، فالفتاه تصدم فى خطيبها الذى صار ثريا وتركها ليتزوج بفتاة لا تزال أسرتها فى سوق الانتاج اما الفتاه فانها لا تعرف كيف تتصرف وتضطر إلى الزواج وفيما بعد يعود اليها خطيبها الاسبق ويحاول استمالتها، وأهم ما فى القصة هو أن العروس تتعلم المسئولية أثناء غياب زوجها وتقوم بإدارة المصنع وتدبر المال كى تسير الأمور على أحسن ما تكون وفى أحد المشاهد البارزة يقوم الزوج بالدفاع عن زوجته وأعادت حقها المعنوى إليها، وللأسف فإن كل هذه التفاصيل قد اختفت تماما من النص الادبى والسينمائى المسمى «ليلة الزفاف».
بالله عليكم لو أنك كنت بطلا لهذه القصة كيف تتصرف، وأيضا لو استطعت جمع هذه المعلومات هل تسكت عنها لمجرد أن بعض القراء لا يريدون تشويه سمعة أفلامنا رغم أن كل ما أفعله هو كشف الحقيقة، فهذا هو دور النقد المقارن الذى لا نعمل به ولا نمارسه رغم أن حال السينما والأدب يجعلنا فى أمس الحاجة إلى ممارسة هذا النوع من النقض.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved