نصف الحقيقة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 3 يونيو 2022 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

تحكم التصريحات الإثيوبية الرسمية المتعلقة بسد النهضة، قاعدة واحدة لا تتغير منذ بدء بناء هذا المشروع، وهى تعمد تغييب الصورة الكاملة أو ذكر «نصف الحقيقة» عن الآثار الكارثية لهذا السد على دولتى المصب، خصوصا مصر التى تعانى شحا وفقرا مائيا لا يخفى على أحد.
قبل أيام تحدث المدير العام لسد النهضة الإثيوبى، كيفلى هورو، لقناة «العربية الحدث»، وقال: «قد تكون هناك آثار جانبية لسد النهضة.. لا يمكن إنكار ذلك، لكنها ليست بالضرر الحقيقى، وهذه الآثار تكون فى فترات الملء، ولهذا تملأ إثيوبيا سد النهضة على مراحل لمراعاة شئون الدول الأخرى».
كلام المسئول الإثيوبى ليس سوى جزء من الصورة الكاملة، أو «نصف الحقيقة» التى يعرفها الجميع جيدا، وهى أن الآثار الجانبية للسد، لا تتعلق فقط بالقرارات الأحادية المتمثلة فى عمليات الملء المتتالى سنويا، ولكن فى غياب اتفاق قانونى ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد وفق القانون الدولى، بحيث يحفظ لمصر حقوقها التاريخية فى مياه النيل، ويسمح لإثيوبيا بالتنمية.
«نصف الحقيقة» التى تسوق لها أديس أبابا، تزعم أن الآثار الجانبية على مصر، تحدث فقط وقت ملء السد.. إذن ماذا عن فترات الجفاف والجفاف الممتد التى تصيب النهر من آن لآخر؟ وكيف يمكن لمصر تصديق ما تدعيه إثيوبيا عن عدم نيتها الإضرار بمصالحها الحيوية، وهى تعتبر مخاوف القاهرة «شائعات لأسباب سياسية لرغبتها فى استغلال المياه وحدها والاستحواذ على الموارد» وفق كلام مدير سد النهضة خلال المقابلة؟
أيضا أليس ما قاله المسئول الإثيوبى عن أن «بلاده لا تضع أيديها على الموارد الطبيعية الخاصة بمصر والسودان.. فهذا (النيل) مورد طبيعى يعود لإثيوبيا ومن حقها الاستفادة منه»، سوى «نصف الحقيقة»، بل والتفاف وافتئات وتلاعب واضح بحقائق التاريخ والجغرافيا، ذلك أن نهر النيل ليس نهرا عابرا للحدود أو بحيرة داخلية تستطيع أديس أبابا حجب مياهها أو السماح بتدفقها لمن تريد، وإنما نهر دولى يخضع وينظم عمله قواعد القانون الدولى، الذى يعترف لدول المصب بحقوقها التاريخية المكتسبة عن طريق الاتفاقيات السابقة؟
هناك من يعتقد أن توقف القاهرة عن إطلاق وإرسال الرسائل الخشنة فى هذه الأزمة منذ شهر مارس عام ٢٠٢١، عقب تمكنها من تعويم السفينة الجانحة فى قناة السويس، سمح لأديس أبابا بمواصلة هذا النهج الذى يعتمد على المماطلة والتسويف والمراوغة وترديد أنصاف الحقائق فى هذه القضية المصيرية والوجودية للشعب المصرى.
فمصر دائما ما تعلن عن تمسكها بضرورة التوصل لاتفاق قانونى ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، لكنها فى الوقت ذاته تقول إننا «مقتنعون بأن مثل هذه القضايا تحل بالوسائل الدبلوماسية وبالتفاوض، بعيدا عن الصراع واللجوء إلى الوسائل العسكرية»، وفقا لتصريحات وزير الخارجية سامح شكرى خلال مقابلة تلفزيونية مع شبكة «سكاى نيوز عربية» قبل أيام.
كذلك يرى البعض أن الخطوات التى تتخذها الحكومة المصرية، مثل العمل على ترشيد استهلاك المياه والمشروعات القومية لتبطين الترع والتحول للرى بالرش والتنقيط وزراعة محاصيل على المياه المالحة ومعالجة التربة، والتوجيه بتنفيذ الخطة الاستراتيجية لتحلية مياه البحر حتى عام ٢٠٥٠، والتوسع نحو إقامة المزيد من محطات التحلية لإتاحة المياه النقية، يمثل إقرارا واستسلاما للغطرسة الإثيوبية.
لا نتفق بالتأكيد مع وجهة النظر السابقة، التى تعتبر الخطوات التى تتخذها الحكومة للاستفادة من كل قطرة مياه، بمثابة إقرار واستسلام للغطرسة الإثيوبية، بل نعتقد أنها مهمة جدا سواء كان سد النهضة موجودا أو غير موجود، لاسيما مع تزايد عدد السكان وثبات الحصة المائية لمصر، وبالتالى فإن هذه الإجراءات كان يجب تنفيذها منذ وقت بعيد، حتى يتم تعظيم الموارد المائية للبلاد.
ما نتفق عليه حقا، يتمثل فى أن غياب الرسائل الخشنة من جانب القاهرة فى أزمة سد النهضة، ساهم فى الوصول إلى ما نحن عليه اليوم، حيث تتجاهل أديس أبابا الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل، وتضرب عرض الحائط بكل قواعد القانون الدولى، بل وتخرق التزاماتها فى إطار إعلان المبادئ الموقع عام 2015، عبر تشغيل وإنتاج الكهرباء من السد، مثلما حدث فى شهر فبراير الماضى، وكذلك الاستعداد لعملية الملء الثالث، المرجحة فى شهر يوليو المقبل. غياب تلك الرسائل يفتح شهية إثيوبيا لترديد الأكاذيب وأنصاف الحقائق تمهيدا لحبس مياه النيل عن دولتى المصب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved