الدفاع عن البقاء!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 3 يوليه 2020 - 6:15 م بتوقيت القاهرة

يرى الكثيرون أن جلسة مجلس الأمن الدولى الأخيرة، التى عقدت بناء على طلب مصر، لمناقشة تطورات أزمة سد النهضة الإثيوبى، كانت كاشفة وفاضحة لمقدار التعنت الذى تمارسه أديس أبابا، وهو ما يحتم على القاهرة، الإعلان بحسم عن خطوطها الحمراء التى تحمى مصالحها فى مياه النيل، مثلما فعلت قبل فترة إزاء التدخل التركى فى ليبيا.

بالتأكيد الخطوط الحمراء مطلوبة وبشدة من جانب مصر فى أزمة مياه النيل لأسباب كثيرة، أهمها عدم الافتئات على حقوقنا التاريخية فى هذا النهر الذى يمثل شريان الحياة الرئيسى لقرابة 100 مليون مصرى، وكذلك ألا يكون هذا السد مقدمة لمشاريع أخرى تجعل حياة المصريين أسيرة لنزوات مغامرين ومقامرين يحاولون العبث بمصائر أمم وشعوب.

فإثيوبيا على سبيل المثال، مارست خلال مشاركتها فى جلسة مجلس الأمن، أكبر قدر من الكذب والافتراء وقلب الحقائق، عبر الإيحاء بأن نهر النيل هو ملكية خاصة لها، تستطيع «تخزين» أو بمعنى أدق منع مياهه عن الآخرين وقتما تشاء، وهو ما يختلف عن الرؤية المصرية المدعومة بالحقائق التاريخية والقوانين الدولية، التى تعتبر نهر النيل «ميراثا مشتركا» لجميع شعوبه ودوله، ولا ينبغى على أحد القيام بأول نوع من الإجراءات الأحادية التى يمكن أن تتسبب بأضرار بالغة للآخرين.

إزاء هذا التباعد فى المسافات والفهم والرؤى بين القاهرة وأديس أبابا لحقائق الأزمة، يصبح لازما على مصر وضع خطوطها الحمراء ــ كما يطالب الكثيرون ــ بحيث لا تتعرض حقوقها التاريخية فى النهر إلى الضياع أو الانتقاص من حصتها المائية بشكل يستحيل القبول به أو التعايش معه.

لكن الحقيقة التى يبدو أنها غابت عن البعض فى زحمة الأحداث، هى أن مصر رسمت بالفعل خطوطها الحمراء فى هذه القضية، وأعلنت عنها مرتين، وتحديدا خلال الأسبوع الماضى.. المرة الأولى جاءت خلال كلمة الرئيس السيسى خلال افتتاحه مشروعات قومية صباح يوم عقد جلسة مجلس الأمن، حيث قال إننا «ماضون على عهدنا لحماية وطننا.. ونجدد وعدنا بأن لا نفرط أبدًا فى حق من حقوقه»، مشيرا إلى أن «أمن مصر القومى يمتد إلى كل نقطة يمكن أن تؤثر سلبا على حقوقها التاريخية». وتابع أن «سياسة مصر تأسست على الشرف فى كل تعاملاتها دون التهاون فى حقوقها، وعلى الرغم من امتلاك مصر لقدرة شاملة ومؤثرة فى محيطها الإقليمى فإنها تجنح دائما للسلم ويدها ممدودة بالخير والتعاون، لا تعتدى أو تتدخل فى الشئون الداخلية لأحد، لكن تتخذ من الإجراءات ما يحفظ أمنها القومى».

أما المرة الثانية فجاءت خلال كلمة الوزير سامح شكرى أمام جلسة مجلس الأمن، حينما قال إن «ملء وتشغيل السد بشكل أحادى، ودون التوصل لاتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية المجتمعات فى دولتى المصب، ويمنع إلحاق ضرر جسيم بحقوقهم، سيزيد من التوتر ويمكن أن يثير الأزمات والصراعات التى تهدد الاستقرار فى منطقة مضطربة بالفعل». وأضاف أن: «مصر سوف تحفظ وتؤمن المصالح العليا لشعبها.. فالدفاع عن البقاء ليس محض اختيار، إنما هو مسألة حتمية تفرضها طبيعة البشر».

التدقيق والفهم والقراءة المتعمقة لتصريحات الرئيس والوزير، تكشف بوضوح عن الخطوط الحمراء لمصر فى هذه القضية الوجودية، وهى أنها لن تقبل بأى إجراء من شأنه أن يهدد أمنها القومى، وأن الدفاع عن مصالحها الحيوية لا اختيار فيه، بل ضرورة وجودية، أى إنها مسألة حياة أو موت، والدفاع عن البقاء هنا يعنى أن«السلاح صاحى» فى كل الأوقات، ولكن بعد استنفاد جميع الطرق السياسية والدبلوماسية، الهادفة لإقناع إثيوبيا بأن تُعمل عقلها، حتى لا يفلت غضب مصر من عقاله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved