الكتاب الإلكتروني وصناعة الأفكار

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 3 يوليه 2021 - 7:25 م بتوقيت القاهرة


بدأ معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام في ظروف استثنائية وميعاد استثنائي، الإقبال الكبير الذي رآه كاتب هذه السطور بنفسه في اليوم الأول من المعرض يدل على أنه مازال الكتاب يأخذ حيزاً لا يستهان به في حياة الناس، طبعاً هناك من يذهب إلى المعرض بدافع "الفسحة" لكن هناك من يهتم بشراء الكتب الورقية كل حسب ما تسمح به ميزانيته.
بجانب الكتاب الورقي ظهرت في مصر منذ عدة سنوات الكتاب الالكتروني وكل سنة تزداد أعداد الكتب الالكترونية ومنذ سنوات أقل الكتاب الصوتي. طبعاً هناك من يفضل الكتاب الورقي منهم كاتب هذه السطور، ولكن لأسباب تعود إلى التعود والحنين إلى الماضي ليس إلا، مقالنا اليوم عن الكتاب الالكتروني: كيف يختلف عن الورقي؟ كيف تطور الكتاب الالكتروني منذ ظهوره حتى الآن؟

الكتاب الالكتروني ظهر ولن يختفي وهذا شيء يجب أن نتعايش معه فنحن في عصر الرقمنة حيث كل شيء يتحول إلى الشكل الرقمي والكتاب ليس استثناء وطالما كل شيء يتحول إلى الشكل الرقمي فهذا معناه أن هناك شيئًا مفيدًا في هذا التحول، فما هو؟ هناك الأمور الواضحة مثل أن التخزين الرقمي لا يحتاج مساحة ويمكنك أن تأخذ معك ألاف من الكتب والأفلام إلخ دون الحاجة إلى حمل أي شيء سوى هاتفك أو اللابتوب أو التابلت، أيضاً يمكنك الحصول على الكتاب فور ظهوره دون التقيد بموقعك الجغرافي فالكتاب يظهر في مصر وتستطيع الحصول عليه في أمريكا في لحظتها.

بعض الناس تعترض على الكتاب الإلكتروني لأن النظر إلى الشاشة لفترة طويلة يرهق العينين، هذه لم تعد مشكلة لأن الآن أجهزة مثل الكندل (kindle) وهي أجهزة مخصصة لقراءة الكتب الالكترونية شاشتها تستخدم ما يسمى بالحبر الالكتروني (e-ink) وهي تشبه القراءة من الورق وتختلف تماماً عن شاشات اللابتوب والتليفون الذكي ولا ترهق العينين.

بعض المميزات للكتاب الالكتروني تتعلق بالبعد الاجتماعي، مثلاً وأنت تقرأ قد تصل إلى فقرة وتجد تحتها خطًا ومعلومة أن عدد كذا من القراء وجد هذه القطعة مهمة، أنت أيضًا تستطيع أن تحدد السطور التي تجدها مهمة وتكتب ملاحظاتك، وبعد انتهاءك من قراءة الكتاب يمكنك أن ترى تلك القطع المهمة وملاحظاتك وتستطيع أن تضعها في ملف وحدها وهذا شيء مهم خاصة إذا كنت تقرأ من باب التعلم والبحث وليس فقط للتسلية. كل هذا موجود الآن، أما المستقبل فسيختلف.

المستقبل سيجعل الكتب تبتعد عن أن تكون مجرد نسخة من الكتاب الورقي في صورة رقمية، بل سنجد الكتاب الذي يحتوي ليس فقط على صور لكن على صور متحركة ومقاطع فيديو قصيرة داخل الكتاب تساعد على فهم المعلومة، بل وقد يُظهر الكتاب أكثر المقاطع المحبوبة (أو المكروهة) من الكتاب حسب آراء القراء.

كل هذا يبدو شيئًا ظريفًا، لكن كيف سيساعد على التقدم العلمي والبحث العلمي؟

هناك عالم اجتماع ألماني اسمه نيكولاس لهمان (Niklas Luhmann)، هذا الشخص انتهى من رسالته للدكتوراه في سنة واحدة. خلال حياته العلمية والتي عمل بها في البحث العلمي نشر نيكولاس لهمان أكثر من سبعين كتابًا وأكثر من 400 بحث علمي وكثير من كتبه تعتبر العمدة في تخصصها فقد نشر في تخصصات عدة حتى وإن كان تخصصه الأصلي هو علم الاجتماع. أبحاثه وكتبه كانت تربط بين علوم نظنها بعيدة عن بعضها مثل علوم الاجتماع والأحياء والرياضيات والروبوتات وعلوم الكمبيوتر. يعتبره الكثيرون أهم عالم اجتماع في القرن العشرين.
طبعاً من الممكن أن ننظر إلى ذلك بانبهار ثم نقول إنه واحد من العباقرة المعدودين في التاريخ البشري الذين لا نستطيع مجاراتهم، ثم ننسى الأمر برمته. الموضوع ليس بهذه البساطة. أحد أهم أدوات هذا العالم هي طريقته في العمل والتي تعرف بالكلمة الألمانية (zettelkasten) وهي تعني "صندوق القصاصات" أي القطع الصغيرة من الورق، فما هي الحكاية؟ وما علاقتها بالكتاب الالكتروني؟ كان هذا العالم عندما يقرأ كتابًا أو بحثًا علميًا يجمع المعلومات التي تهمه والأفكار التي تأتيه وهو يقرأ ويضع كل فكرة وكل معلومة في قصاصة وحدها، لكنه يضع أيضًا معلومة في كل قصاصة عن ما هي القصاصات الأخرى التي لها علاقة بهذه القصاصة والعلاقة بين كل فكرة وأخرى، كلما زادت عدد القصاصات زاد عدد العلاقات ومن هذه العلاقات تتولد أفكار جديدة ويضعها أيضاً في قصاصات جديدة، وهذا هو السر في أبحاث نيكولاس لهمان.

الكتاب الالكتروني جعل موضوع استخلاص الفقرات المهمة من الكتاب وكذا ملاحظات القارئ سهلاً، وبدلاً من قصاصات الورق هناك برمجيات تساعد على تخزين تلك الملاحظات والأفكار وربطها ببعضها كما كان يفعل لهمان.

تكنولوجيا الكتاب الالكتروني هي أداة واستخدام تلك الأداة يمكن أن يؤدي إلى نتائج عظيمة، ولكني مازلت أحب الكتاب الورقي!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved