حق الإعلام وحقوق الغير

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الخميس 3 أغسطس 2017 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب بكر عويضة جاء فيه: لم يزل خيط رفيع يفصل بين حق الإعلام وحقوق الغير يطل، مذ وُجِد إعلام أسواق الشعر ومعلقات الشعراء فى غابر الزمان، حتى وصل زمن تزاحم الفضاء بكل ما نزل وطلع من مستوى المضامين، أو ارتقى وهبط من مستويات الأداء. بالطبع، سوف يظل ذلك الخيط يُبعث من جديد، كلما أطل حدثٌ يثير السؤال: أجائزٌ أن يوظف الإعلام حق دوره فى توصيل المعلومات للناس، كى يجيز التعدى على حقوق الأفراد، بتجاوز كل ما هو حساس ويتعلق بخصوصيات الغير؟
لعل أغلب الجمهور تابع أحدث مثال أثير فى هذا السياق نهاية الأسبوع الماضى، وتواصل الحديث بشأنه عبر الأثير، وعلى شاشات التلفزيون خلال اليومين الماضيين، وهو يخص اعتزام القناة البريطانية الرابعة بث أشرطة تتحدث خلالها الأميرة ديانا عن جوانب بالغة الحساسية بشأن فترة زواجها من الأمير تشارلز.
الأحد الماضى، بعد قراءة ملخص «صنداى تايمز» لمضمون الأشرطة، موضوع الجدل، انتابنى إحساس مزج كثيرَ رثاء بشىء من الاستغراب. الرثاء لحال أميرة ويلز الراحلة، ومعاناتها، خلال زواج غلب الشقاء على سنواته منذ بداياته. والاستغراب لأن أميرة مثل ديانا أخذت مكانها فى قلوب ملايين الناس حول الكوكب، سمحت لأحاسيس المرارة، وإلحاح الانتقام، بأن يحكما مسار سلوكها إزاء أسرة زوجها، بلا تدبّر لمآل تأثير ذلك على ولديها. أليس من المعلوم أن كلام الناس العاديين يقاس، عند كل تقييم، بميزان الذهب؟ بلى، فبأى ميزان، إذن، يوزَن ما يصدر عن أبناء أسرٍ ليست كما غيرها، سواء لجهة عراقة مكانتها أو تاريخية أدوارها، مثل أسرة آل «وندسور»؟
قبل بث القناة الرابعة هنا للأشرطة مساء الأحد المقبل ــ إلا إذا تراجعت بفعل الضغوط، وهو أمر مُستبعد، أو بتدخل قضائى ــ أقدمت القناة الأمريكية «إن بى سى» على إذاعة أجزاء منها سنة 2007، لكنها لم تثِر آنذاك مثل الضجيج المثار الآن. وقبل لوم القناتين، الأحرى أن يُلام بيتر ستلتون، الذى كانت الأشرطة بحوزته، إذ هو مَن سجلها فى الأصل ما بين سنتى 92 ــ 1993. السيد ستلتون مدرّب أصوات كان يدرّب الأميرة ديانا على حُسن الإلقاء، وكانت هى تجيب عن أسئلة يوجهها خلال التدريب. لم يُحسن المدرّب التصرف، بل أساء الأدب، ولعله خان الأمانة، عندما أغواه المال فباع الأشرطة. هذا لا يعفى الأميرة الراحلة ذاتها من المسئولية، على الرغم من مرارة إحساسها كإنسانة. الإنجليز عندهم مثل دارج على ألسنتهم والناطقين بلغتهم: «الانتقام حلو». ربما. لكن، أى طعم حلو يبقى للمنتقم، أو المنتقمة، إذا طال أذى الانتقام بعض أحبّ الناس إليه وإليها؟
فى إطار أعم، وخارج دائرة الخاص، معلوم أنه حتى عند تغطية ويلات الحروب ومآسى الكوارث، لم ينجُ بعض أهل الإعلام من الوقوع فى فخاخ التعدى على خصوصيات البشر، أو غض النظر عن المقبول والمرفوض عند مخاطبة الذوق العام. مثال ذلك ما جرى خلال غزو الرئيس العراقى صدام حسين للكويت، الذى تطل اليوم ذكراه السابعة والعشرون، وما نتج عنه من حروب داخل العراق وفى محيطه وخارج المنطقة. واحدٌ من صارخ الأمثلة على ذلك كان إقدام «نيويورك تايمز» على نشر صور بشعة لتعذيب المعتقلين فى سجن أبو غريب سنة 2004، وعلى الرغم من أن النشر أسهم فى كشف أحد أوجه بشاعات الاحتلال الأمريكى للعراق، لكنه لم يراعِ خصوصيات السجناء أنفسهم.
بالمناسبة، بعد ثلاث سنوات، نهار الثانى من الشهر الحالى سنة 2020 يُفترض أن يكشف ما سوف يُفرج عنه من أسر أرشيف وثائق أمريكا الرسمية، بعض أسرار يوم مشهود من تاريخ العرب المعاصر. إنما، هل أن إدارة الرئيس ترامب، إن نجا من فخاخ عزلٍ كثيرة تحاصره، ستعمل وفق مبدأ انقضاء ثلاثين سنة لرفع ستار السرية عن ملابسات الغزو كلها، أم أنها ستُخضع بعضها، خصوصا الأكثر أهمية وحساسية بينها، لقاعدة مرور خمسين عاما قبل الإفصاح عنها؟ لا أحد يعلم، إنما معلوم شوق كل متقصٍ للحق، كى يطلع على ما أخفى من أسرار دُفنت فى سراديب ملفات «بالغة السرية»، علّها تكشف ما يُنهى حيرة ويوصل لليقين، فتفرّق بشكل نهائى ما بين الأوهام والحقائق.

الشرق الأوسط ــ لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved