٥ أسباب وراء تحول «ظلال سيد قطب» لنشر العنف والتكفير

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 3 أغسطس 2018 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

يعد سيد قطب من الأدباء المشهورين فى تاريخ مصر وهو صاحب أسلوب أدبى متميز، وهو الذى اكتشف نجيب محفوظ وتنبأ بمستقبل أدبى باهر له.
وكان سيد قطب من تلاميذ العقاد والمقربين له والمدافعين عنه حتى وقعت الجفوة بينهما، وقد مر قطب بمراحل فكرية متعددة فقد كان فى بداياته مع الوفد ثم انتقل إلى الإخوان بعد عودته من أمريكا، وكان ينافح فى بداياته الفكرية عن العلمانية ثم انتقل للدفاع عن الأفكار الإسلامية ثم انتقل لجماعة الإخوان ثم كون فصيلا متشددا مستقلا داخلها ليصبح المنظر الأهم لأكثر الجماعات التكفيرية والجهادية.
وكان قطب صديقا للرئيس ناصر عقب ثورة 1952، وكان كتاب «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» هو همزة الوصل والتلاقى الفكرى بينهما قبل أن يلتقيا، وكان ناصر يشكو لقطب من الإخوان وتصرفاتهم معه فى بداية الثورة، ثم تبدلت العلاقة إلى النقيض حينما اعتقلهم ناصر سنة 1954 وحكم عليه بالسجن 15 عاما، ولعل هذا الحكم وما رآه فيه من عذاب وهوان السجون كان العامل الرئيسى فى كتابات سيد قطب التى أدت إلى نوبات متكررة من العنف والتكفير والصدام مع الحكومات المختلفة، وقد أعاد مراجعة كتبه وزادها تشددا بعد سجنه فى الخمسينيات حيث لم يكن يتوقع أن يسجن لأنه وقتها كان مجرد رئيس تحرير لصحيفة الإخوان وكان وقتها على هامشهم ولم يكن فى صلب التنظيم.
وقد تحول فكره نحو التطرف والتشدد وإطلاق مسميات عامة مثل المجتمع والحكم الجاهلى فهم منها أنها تكفر المجتمع والحكام.
ويعد د/عبدالمنعم أبوالفتوح أول من نقد ونقض فكر سيد قطب صراحة وعلانية وكان وقتها فى الإخوان وظل على رأيه هذا ولم يحد عنه وكون مجموعة كبيرة فى السبعينيات كانت ترى أن الفكر القطبى أضر بالإسلام والحركات الإسلامية ولعله تأثر فى ذلك بأستاذه عمر التلمسانى.
ويعد كتاب «فى ظلال القرآن» هو أهم كتب سيد قطب وأشهرها.
وبعض العلماء الكبار من الإخوان وغيرهم اعتبروا معالم على الطريق وهذا الكتاب سبب فكرى فى انتشار موجات التكفير والعنف التى اجتاحت العالم الإسلامى منذ منتصف السبعينيات وحتى اليوم.
ويعد الكتاب رغم روعة سياقاته الأدبية مرجعا رئيسيا لكل جماعات العنف والتكفير فى العالم، ومرجعا رئيسيا درسه كل قادة الجماعات التى تبنت فكرتى التكفير والتفجير والاغتيالات بدءا من شكرى مصطفى ود/أيمن الظواهرى إلى أبوبكر البغدادى، ومعظم الجماعات الجهادية الأخرى، فكلهم نهل من هذا الكتاب واستقى منه.
والسؤال الملح: لماذا أصبح الكتاب الأدبى البليغ سببا فى انتشار فكرتى التكفير والعنف؟، والإجابة تكمن فى الآتى :ــ
أولا:ــ كتب سيد قطب الظلال بأسلوب أدبى جذاب ولكنه لم ينضبط بالضبط الفقهى أو قواعد العقيدة الإسلامية الصارمة.
والأسلوب الأدبى فضفاض وغير منضبط، وتختلف لغة الأديب المرسلة الحالمة عن لغة الفقيه المنضبطة، فالفقيه أشبه بالمحاسب الذى لديه 1+1=2 أما الأديب والشاعر فلغته حالمة خيالية فضفاضة ويمكن أن تكون لديه 1+1= 20 .
وهذه اللغة الأدبية الفضفاضة لا تصلح أن تؤخذ منها أحكام الفقه فضلا عن أحكام العقيدة، وإذا كانت لا تؤخذ منها أحكام الحلال والحرام فكيف تؤخذ منها أحكام الكفر والإيمان، أو القواعد العامة للإسلام أو مقاصده العليا.
اللغة الأدبية أشبه ما تكون بتفسير القرآن الاشارى عند الصوفية الذى لا تؤخذ منه أحكام الحلال والحرام أو الكفر والإيمان، إنما لطائف ورقائق ومعانٍ إنسانية وقلبية يستفاد منها.
ثانيا:ــ سمى أ/قطب كتابه «فى ظلال القرآن» ولم يسمه تفسير القرآن، ولكن المصيبة الكبرى أن أكثر الجماعات التى تأثرت بالكتاب أخذت كل ما كتبه قطب على أنه قرآن منزل أو أحكام فقهية أو عقائدية متفق عليها أو مجمع عليها، ويا ويل من يناقشها، فأخذوا ينزلون كلمات قطب على مجتمعهم وحكوماتهم ودولهم بطريقة خاطئة، ويتعاملون معها تعامل المعصوم، دون أن يفرقوا بين الإسلام المعصوم بقرآنه وسنة نبيه وبين الفكر الإسلام غير المعصوم الذى يصدر من أى عالم أو مفكر يخطئ تارة ويصيب أخرى.
ثالثا:ــ أطلق كتاب «فى ظلال القرآن» تعبير الجاهلية فى أكثر أحاديثه عن سور القرآن وأعادها وكررها رغم أن الكلمة لم تتكرر فى القرآن كثيرا، ولم تدر آياته حولها.
ثم أطلق الجاهلية وقسمها، فتارة يتحدث عن حكم الجاهلية، والمجتمع الجاهلى، وأفاض فى الحديث عن الجاهلية التى ربطها بالكفر بطريق غير مباشر، دون تحديد دقيق لمعنى الجاهلية، وأن أى مسلم أو مؤمن يمكن أن تعتريه صفات الجاهلية فى بعض الأوقات ولا يخرج عن الإسلام بذلك.
فلم يفصل أ/قطب فصلا دقيقا واضحا بين مصطلحى «الجاهلية والكفر» رغم أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وصف أحد الصحابة الأجلاء بقوله «إنك امرؤ فيك جاهلية» ولم يقل أحد بكفر هذا الصحابى، بل لم يأتِ هذا المعنى فى ذهن أى أحد.
فالمعنى الدقيق للجاهلية الوقوع فيما يخالف الإسلام، وهل هناك بشر لم يتلبس يوما بمعصية كبيرة أو صغيرة أو يخالف الدين فى صغيرة أو كبيرة، البشر كلهم ليسوا معصومين باستثناء الأنبياء.
لقد أنزلت كل الحركات الإسلامية الجهادية أو التكفيرية العنيفة كل كلمات أ/سيد قطب عن جاهلية الحكم على كل حكام المسلمين وكفرتهم جميعا دون استثناء، وأطلقت على الجيوش والشرطة فى كل بلاد العرب هذه الأوصاف ونقلتهم من خانة الإسلام إلى الكفر، وبعضها كاد أن يكفر مجتمعه كما حدث من جماعة شكرى مصطفى.
رابعا: أطلق أ/سيد قطب تعبير «الاستعلاء بالإيمان» كثيرا، وهذا المصطلح غامض جدا، ولم يستخدمه أحد من علماء المسلمين من قبل على الإطلاق، وهل الإيمان يدعو للاستعلاء على الآخر غير المؤمن أو غير مسلم أم يدعو للتواضع للناس جميعا، والانكسار لرب الناس؟
وقد كتبت كتابا عن هذا الموضوع إذ رأيت أكثر الشباب الذى يقرأ كتاب فى الظلال «يعجبه هذا المعنى ويروق له، ويخلط بينه وبين الكبر على من يخالفه فى الدين أو الفكر أو الرأى بحجة الاستعلاء بالإيمان، ويقع فى العلو المذموم على الناس وهو يظن أنه يرتفع بالإيمان، فبين الاعتزاز والاستعلاء بالإيمان والعلو بالذات شعرة دقيقة لا يدركها إلا أولو البصائر وأصحاب القلوب الصافية النافية، وحتى لفظة الاستعلاء هذه سيئة، والأفضل منها الاعتزاز بالدين والتمسك به.
فقد استقبل رسول الله عدى بن حاتم الطائى فى بيته المتواضع وكان مسيحيا فأعطاه الوسادة الوحيدة فى بيته الشريف وجلس ــ وهو رئيس الدولة وخاتم المرسلين ــ على الأرض، حتى قال عدى فى نفسه «ليس هذا بملك.. هذا نبى»، وهذا الإطلاق المتكرر لمعنى الاستعلاء بالإيمان جعل الكبر يتلبس كل من تدين تدينا بسيطا بحيث يستطيل بذلك عل كل مخالفيه، وهو يظن أنه يحسن عملا، ولا يدرك أنه وقع فى الكبر المذموم الذى نهت عنه كل الشرائع السماوية ومنها الإسلام.
خامسا: أدار أ/سيد قطب كل آيات القرآن العظيم كله حول فكرة إنزال جماعة الإخوان محل جماعة الرسول الأولى، وإنزال عبدالناصر وأعوانه، وكل الحكام العرب منزله أبى جهل وقريش الذين يصدون عن سبيل الله ويرجونها عوجا.
وأن الصراع بينهما محوره الإيمان والكفر، رغم أن حقيقة الصراع بينهما كانت سياسية فى أصلها وأساسها.
وأسوأ ما يضر القرآن هو توظيفه سياسيا من قبل الحكام لمصلحتهم أو توظيفه سياسيا من قبل الجماعات الحركية لمصلحتهم كذلك، القرآن أسمى وأبقى وأغلى من الحكام والجماعات أيضا، وآياته أشمل من أن تحصر فى معنى واحد من هذه المعانى السطحية الوقتية.
كتاب «فى ظلال القرآن» له إيجابيات، وله سلبيات كثيرة أيضا ويحتاج إلى مراجعة علمية دقيقة، وأعتقد جازما أن أ/ سيد قطب لو لم يدخل السجن فى القضية الأولى التى لم يكن له دخل فيها ولم يكن من كوادر الإخوان الأساسية أو دخل السجن ولم ير التعذيب البشع فى السجون فى منتصف الخمسينيات لما دشن هذا الفكر المتشدد ولكان أكثر تسامحا وعفوا ورحمة، ولو أن نظام الحكم خفف الحكم عنه من الإعدام إلى المؤبد وامتدت حياته بعد ذلك ليرى الآثار السلبية لأفكاره على الشباب لراجع بنفسه أفكاره وخاصة إذا رأى شبابا وصل إلى الاغتيالات والتفجير والتكفير بناء عليه.
إننى أرى وأنا فى هذا العمر وبعد كل خبراتى الحياتية أن إعدام الأدباء والمفكرين حتى لو أخطأوا يعد خطأ وخطرا كبيرا لأنه يحرمهم ويحرم المجتمع من فرصة المراجعة التى كانت ستفيدهم وتفيد المجتمع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved