الأسلوب الأمريكى فى الحروب غير التقليدية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 3 أغسطس 2020 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز Rand Corporation مقالا للكاتبين Charles Cleveland وDaniel Egel تناولا فيه ضعف الولايات المتحدة وعدم جاهزيتها للتصدى للحروب غير التقليدية، فما يعد الأسلوب الآمن للولايات المتحدة فى حروبها من استخدام للقوة العسكرية المدمرة لم يعد ملائما فى ظل وجود تهديدات وأسلوب حروب غير تقليديين يتبعه الكثير من خصوم الولايات المتحدة... نعرض منه ما يلى.
أثبت النهج الأمريكى فى الحرب القائم على تدمير قوة العدو فعاليته فى الحروب التقليدية وحقق نجاحات فى الحربين العالميتين وحرب الخليج وحرب العراق، إلا أن هذا النهج الذى أطلق عليهه راسل ويجلى ــ أستاذ التاريخ بجامعة تمبل فى فلاديلفيا ــ الأسلوب الأمريكى فى الحرب لم يعد فعالا فى نزاعات يقع فى مركزها السكان. فالقوة العسكرية والنجاح الاستراتيجى لم يعدا كافيين للانتصار، فآثار القتل والدمار لهما نفس الأهمية. ولذلك تقوم هذه الحروب غير التقليدية على الاستنزاف بدلا من الإبادة، وتركز على أهمية الشراكات المحلية واكتساب الشرعية من السكان المحليين... لذلك تشن هذه الحروب على حملات طويلة المدى تمزج بين قدرات الولايات المتحدة العسكرية والمدنية. النجاح الاستراتيجى يتم تحديده وفقا للقدرة على التأثير والتحكم فى السكان بدلا من احتلال الأراضى. هذا الشكل من الحرب مازال يصعب على الولايات المتحدة تحقيقه، فالقدرات الثقافية والسياسة والعسكرية اللازمة لتحقيق هذا الشكل من الحروب غير التقليدية ليسوا من نقاط القوى التقليدية للولايات المتحدة.
على الرغم من تطوير دول أخرى قدرات مماثلة، إلا أنه سيعد نهجا أمريكيا فريدا. فهذا الشكل غير التقليدى للحروب سيرتبط بالمفاهيم الأمريكية من الديمقراطية والتعددية الدينية وحقوق الإنسان، وضمان حماية الرؤية الأمريكية وتوفير فرص مثل التى يحظى بها المواطنون الأمريكيون... فما تهدف إليه الولايات المتحدة من شن مثل هذا النوع من الحروب على المدى البعيد هو مساعدة الدول على معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، وبقية الجهود من تحييد العدو والدفاع عن السكان وتعبئتهم تعتبر مهام داعمة لكسب الوقت... وهكذا، وعلى الرغم من استخدام أعداء أمريكا هذا النوع من الحروب لإحداث حالة من الفوضى، ستستخدم أمريكا هذا النوع من الحروب للإعمار وتحقيق الاستقرار.
***
الصراعات التى يقع السكان فى مركزها، مثل الإرهاب والتمرد والحروب الأهلية، والتى هى محور شكل الحرب غير التقليدية الأمريكية، هى أكثر أشكال الصراعات التى تواجه أمريكا. شهدت سنة 2016 47 صراعا تمحور حول السكان وشمل 49 حكومة مثل التنافس بين إثيوبيا وجبهة تحرير أورومو، والصراع التركى مع الأكراد، و14 صراعا منفصلا مع الدولة الإسلامية، والذى نتج عنهم تكلفة بشرية مرتفعة.
يرجع عدم قدرة الولايات المتحدة إلى تحقيق انتصارات فى هذا النوع غير التقليدى من الحروب إلى أن أمريكا تفتقد القدرة على التنظيم فوق المستوى التكتيكى. نجحت الولايات المتحدة تقريبا فى المواجهات العسكرية التى استخدم فيها القوة النارية، ولكنها فشلت فى تحقيق انتصارات فى الحروب المتمركزة حول السكان. لدى الولايات المتحدة فهما معيبا فى نظرتها للعدو والسكان المحليين مع افتقارها للهياكل التنظيمية القادرة على وضع وتنفيذ الحملات طويلة المدى المطلوبة. تشير جميع الأدلة إلى أن أعداء أمريكا يدركون هذا الضعف وتعلموا من إخفاقات الولايات المتحدة أكثر من الولايات المتحدة نفسها. فإدراكهم للتفوق الأمريكى فى الحروب التقليدية جعلهم يقاتلون أمريكا وحلفاءها من خلال وسائل غير تقليدية، سواء الإرهاب مثل داعش أو تقديم معلومات مغلوطة مثل وروسيا أو استخدام الشركاء مثلما تفعل إيران واستخدامها لحزب الله للتدخل فى دول جوارها... كلفت هذه الحروب الولايات المتحدة الكثير من الأرواح والأموال وأثرت على استعدادات القوات العسكرية الأمريكية وتركها غير مجهزة للاستجابة للتهديدات التقليدية الحقيقة.
***
ما يشغل الأمن القومى الأمريكى هو منافسة الدول الأخرى مثل الصين وروسيا والأنظمة الفاسدة فى إيران وكوريا الشمالية.. إلخ التى تزعزع الاستقرار من خلال السعى للحصول على الأسلحة النووية أو رعاية الإرهاب. لذلك ما سيتطلبه ردع هؤلاء الخصوم هو توسيع القدرات العسكرية التقليدية والحفاظ على التفوق العسكرى. ولكن إدراك هذه الدول لضعف الولايات المتحدة فى الصراعات غير التقليدية، ولتجنب ارتفاع أعداد ضحاياهم، ستستمر فى استخدام مزيج من حروب المعلومات والحروب بالوكالة والحروب القانونية لتحدى الولايات المتحدة، مما سيسمح لهم بقلب المعايير والمؤسسات الدولية على الولايات المتحدة وحلفائها ومنافستها بدون الدخول فى حرب عسكرية.
إدراك مثل هذا النوع من الحروب ضرورى لتظل الولايات المتحدة قادرة على صدها وشن هجمات استباقية. ستمنح هذه القدرة الهجومية الولايات المتحدة قدرة إضافية لردع الأعداء من خلال توسيع المساحة التنافسية للجيش الأمريكى. كعب أخيل لخصوم أمريكا الاستبداديين هو خوفهم المتأصل من شعبهم. يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للاستفادة من هذا الخوف.
ومع ذلك، لا تزال رغبة الحكومة ــ فى الزى الرسمى والمدنى ــ العودة إلى العمل كالمعتاد. هم يريدون تجاوز الحرج المهنى الذى تمثله النتائج غير الحاسمة فى أفغانستان، والتشويش على الفوضى التى أحدثتها فى العراق وسوريا، وظهور الدولة الإسلامية، وانتشار تنظيم القاعدة وما يشابهه. مع تزايد التهديدات من القوى المنافسة التى تتطلب القدرات العسكرية التقليدية، من المرجح أن تعود الولايات المتحدة إلى أساليب الحروب التقليدية.
هناك خطر حقيقى فى تكرار نفس الأخطاء التى ارتكبت فى فيتنام.. وبالتحديد الفشل مرة أخرى فى التعلم من دروس الصراعات السابقة والتكيف مع التهديدات المتغيرة. ليس هناك شك فى أن الاستعدادات الأمريكية فى الجيوش البرية والبحرية عانت فى السنوات الأخيرة، وسيزداد الأمر صعوبة فى الحفاظ على هيمنتها فى الحروب التقليدية والنووية مع تحقيق الكفاءة للفوز فى الحروب غير التقليدية. بالنسبة للكثيرين، العودة إلى الحرب التقليدية ضد الأعداء الذين يستخدمون وسائل غير تقليدية فى الحروب موضع ترحيب كبير. فهى منطقتهم الآمنة المريحة، والتى تهيمن عليها الولايات المتحدة منذ مائة عام.
***
يجب على الكونجرس الأمريكى، ورئيس الولايات المتحدة، والشعب الأمريكى ألا يفترض، ولا يمكن أن يفترض، أن وزارة الدفاع ستحافظ على قدرات الحرب غير التقليدية التى طورتها الولايات المتحدة خلال العقود الماضية أو تنتج ما تحتاجه من قدرات إضافية تمكنها من منافسة خصومها غير التقليديين. تطلب الأمر عزيمة وإرادة القادة المدنيين ــ فى الكونغرس والبيت الأبيض ــ لإجبار وزارة الدفاع على تبنى الإصلاحات اللازمة لصد التهديدات الحديثة.. إلى جانب ذلك، تعتمد الطريقة الأمريكية للحرب غير التقليدية على العديد من القدرات التى تقع خارج وزارة الدفاع. الحرب غير التقليدية الأمريكية تتطلب بطبيعتها مؤسسة كاملة يندمج فيها عناصر متعددة من الدبلوماسية والأموال والاستخبارات والقانون والجيش. ستعكس الحرب غير التقليدية الأمريكية ماهية الشعب والقانون والأخلاقيات الأمريكية والإيمان الراسخ بالحرية. يجب أن تكون دفاعية وهجومية. سيأخذ الأمر وقتا لتطويرها وتغيير الوضع الراهن.. سيتطلب دعما من الكونغرس.. سيحتاج إلى تفانى وشجاعة القادة.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved