مجلس الأمن والاتحاد الإفريقى لا يدركان أبعاد أزمة سد النهضة

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: الثلاثاء 3 أغسطس 2021 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

نشر معهد الدراسات الأمنية مقالا للكاتب بيتر فابريسياس يرى فيه أن فشل مجلس الأمن والاتحاد الإفريقى فى حل أزمة سد النهضة دليل على فشلهما فى مهمتهما الرئيسية فى منع نشوب الصراعات، ويقترح أن الاعتماد على الدبلوماسية المباشرة بين الدول الثلاث أصحاب المصالح فى الأزمة ستكون أكفأ فى حلها... نعرض منه ما يلى.

يبدو أن الجهود الدبلوماسية لحل النزاع الذى بدأ منذ فترة طويلة بين إثيوبيا ومصر والسودان بشأن السد الإثيوبى الكبير على النيل الأزرق قد توقفت. وقد أعيد هذا الملف إلى الاتحاد الإفريقى بعدما تم عرضه على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فى شهر يوليو الماضى.
تولى الاتحاد الأفريقى دور الوسيط الرئيسى فى يونيو من العام الماضى بعد أن أقنع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، كرئيس للاتحاد الأفريقى آنذاك، المتنازعين الثلاثة بعدم إحالة النزاع إلى مجلس الأمن. لكن بعد عام من المفاوضات المتقطعة ــ أولا من قبل جنوب إفريقيا ثم من قبل جمهورية الكونغو الديمقراطية كرئيس جديد للاتحاد الإفريقى ــ فشل الاتحاد الإفريقى فى حل نزاع سد النهضة الإثيوبى.
لذلك أعادت مصر والسودان القضية إلى مجلس الأمن بدعم من جامعة الدول العربية. لكن فى 8 يوليو الماضى، رفض المجلس تناول القضية وأعادها إلى الاتحاد الأفريقى. لا توجد دلائل تشير إلى الدخول قريبا فى مفاوضات، أو بالطبع التوصل إلى حل. وفى غضون ذلك، شرعت إثيوبيا فى الملء الثانى لسد النهضة، وهو ما أغضب مصر والسودان وزاد من التوترات.
•••
تؤكد مصر أن السد الذى تبلغ مساحته 74 مليار متر مكعب، والمصمم لإنتاج الطاقة الكهرومائية لدعم التنمية الإثيوبية، يهدد إمدادات مصر من مياه النيل التى تعتمد عليها بشكل كامل تقريبًا. يخشى السودان من أن يؤدى سد النهضة، الذى يبعد 15 كيلومترًا فقط عن حدوده، إلى إتلاف سدوده وأراضيه. ولذلك تسعى الدولتان إلى وجود اتفاقية ملزمة بشأن إدارة تدفق المياه من السد ووجود آلية لتسوية النزاعات. ولكن إثيوبيا تصر على أنه لا يمكنها أن تقيد نفسها فى تشغيل السد بما تريده الدول الأخرى.
على الرغم من أن جنوب أفريقيا لم تحقق نجاحًا مثل الدول الأخرى التى قامت بالتوسط لحل الأزمة، إلا أن بعض المراقبين يقولون إنها بذلت جهدا أكبر من جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولكن لا تعتقد جمهورية الكونغو الديمقراطية ذلك. خلال مناقشة مجلس الأمن فى يوليو، قرأ سفير جمهورية الكونغو الديمقراطية بيانًا أدلى به نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية كريستوف لوتندولا أبالا بن أبالا، زعم فيه وجود «العديد من التطورات الإيجابية» فى وساطة جمهورية الكونغو الديمقراطية. شمل ذلك مؤتمرًا وزاريًا للدول الثلاث فى إبريل وزيارات لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس انطوان تشيسيكيدى إلى إثيوبيا ومصر والسودان فى مايو. وأضاف الوزير أن تشيسكيدى أبلغ مكتب الاتحاد الأفريقى فى 24 يونيو عن جهوده وأن هناك تقريرًا وشيكًا سيتم تقديمه. كما تمت صياغة وثيقة موجزة لتقدم قريبا إلى إثيوبيا والسودان ومصر كأساس للمفاوضات.
تكون اقتراح تشيسكيدى من خطوتين. أولا، معالجة القضية الملحة المتمثلة فى الملء الحالى لسد النهضة. بعد ذلك، سيتم السعى للحصول على ضمانات للتوصل إلى اتفاق شامل بشأن الملء والتشغيل اللاحق للسد، حسبما قال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للقرن الأفريقى، بارفيه أونانغا أنيانغا، لمجلس الأمن. لكن لم تسر الأحداث مثلما أراد تشيسكيدى... فأثناء مناقشة المجلس، كانت إثيوبيا تملأ السد مرة أخرى.
أجمع مجلس الأمن تقريبا على تمرير قضية السد مرة أخرى إلى الاتحاد الأفريقى، ما مثل إحباطا كبيرا لمصر والسودان. وبدت سفيرة الرئيس جو بايدن فى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، مساعدة وزيرة الخارجية السابقة لشئون أفريقيا، حازمة جدًا بشأن تولى الاتحاد الإفريقى ملف سد النهضة.
•••
هل كان هذا موقفا غير مسئول من مجلس الأمن بعدما ثبت أن الاتحاد الإفريقى غير قادر على حل الأزمة؟ مصر والسودان يعتقدان ذلك على ما يبدو. وهما يعتبران أن إحالة النزاع إلى الاتحاد الأفريقى تحت شعار البحث عن حل إفريقى لمشكلة إفريقية هو وسيلة إثيوبيا لتجنب مفاوضات حقيقية.
قد يجادل آخرون بأن سد النهضة ليس مشكلة لمجلس الأمن أو حتى الاتحاد الأفريقى، حيث تم حل بعض النزاعات على المياه فى أفريقيا دون اللجوء إلى أى منهما.
ولكن مهما كانت السوابق فى تقاسم المياه الإقليمية، فإن الخلاف حول سد النهضة قد يشعل صراعا. وهذا يجعله قضية مشروعة لمجلس الأمن والاتحاد الأفريقى، وكلاهما له تفويض لنزع فتيل الصراعات.
دفع تمرير المسئولية من قبل مجلس الأمن غوستافو دى كارفالو، الباحث الأول فى معهد الدراسات الأمنية فى بريتوريا، إلى ملاحظة أن «مجلس الأمن لا يخجل أبدًا من تهميش الاتحاد الأفريقى.. فى الشأن الليبى العام الماضى، تجاهل مجلس الأمن تماما موقف الاتحاد الأفريقى. ومن ثم، يبدو من الملائم لبعض الدول الخمس الكبرى أن يستخدموا عذر التفويض عندما يكون الأنسب لهم عدم المشاركة... التحدى هو أنه كلما قل تدخل مجلس الأمن، زادت مخاطر تصعيد الأزمة. وإذا لم يكن هناك تحرك جاد فيما يتعلق بالأدوار والمسئوليات، فإن وظيفة منع نشوب الصراعات، التى تعتبر مهمة للغاية لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى، ستفشل».
يوافق بريال سينج، الباحث فى معهد الدراسات الأمنية، على أن قضية سد النهضة هى «اختبار حيوى لأهمية المنظمات المتعددة الأطراف الرئيسية... ومع ذلك، ينبغى زيادة التركيز على دور جمهورية الكونغو الديمقراطية فى الوساطة ودور مكتب الاتحاد الإفريقى». يعتقد سينج أن هناك إجماعًا على أن تشيسيكيدى كان من الممكن أن يلعب دورا أكثر نشاطا فى هذا الملف.
وبالتالى إلى أين يأخذنا سد النهضة الإثيوبى العظيم؟ من المؤكد أنه سيزيد التوترات بين المتنازعين الثلاثة، وسيزيد من النزاع الحدودى بين إثيوبيا والسودان سوءا، إلى جانب تهييج مصادر أخرى لعدم الاستقرار الإقليمى مثل الحرب الأهلية فى تيجراى.
يعتقد سينج أن أزمة سد النهضة لن يتم حلها على الأرجح إلا من خلال شكل من أشكال الدبلوماسية المباشرة بين أصحاب المصلحة الرئيسيين. ويعتقد أن المنظمات متعددة الأطراف مثل مجلس الأمن والاتحاد الإفريقى سيركنون هذه القضية جانبا حتى تتدهور الأوضاع، وهذا ليس سيناريو جيدا.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved