خواطر وتساؤلات بحثية بعد عام ونصف من الوباء

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: الثلاثاء 3 أغسطس 2021 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

تسببت جائحة كوفيد 19 فى الكثير من المعاناة الإنسانية وأوضحت الجائحة أن المخاطر الصحية التى تهدد أسس أمان واستقرار الإنسان هى تهديدات عالمية حقيقية لها آثار متعددة سياسية واقتصادية ونفسية، وعلى الرغم من عالمية الأزمة فإن آثارها مختلفة إقليميا ومحليا، وظهر أن المناطق الحضرية المزدحمة هى الأعلى صوتا قياسا بالمناطق الريفية، وغالبا ما واجه السكان الأكبر سنا والأعلى مرضا صعوبات بالغة فى التعامل مع الأزمة فى ظل محدودية الرعاية الصحية وصعوبة الوصول إليها. كما عانت المناطق الفقيرة والمهمشة من نتائج أسوأ، والمناطق النائية فى العالم أقل اهتماما ومعرفة بمدى انتشار الفيروس.
معروف أن كوفيد 19 انطلق من ووهان، ويسكن ووهان الواقعة وسط الصين نحو 8,9 ملايين نسمة، ثم انتشر الفيروس إلى مدن أخرى فى الصين ثم إلى باقى مدن العالم. وهنا يبرز التساؤل هل كان ومازال الوباء مدنيا حضريا بمعنى أساسى؟ وهل كانت البوادى والأرياف والمناطق الطرفية فى العالم أقل تاثرا به؟ فنحن لا نعرف إجابة على وجه الدقة عن هذا التساؤل خاصة فى مصر، كما أن الريف الذى عرفناه من نصف قرن تغير أيضا بشكل عشوائى مشوه وهو ما يجعل هذا الأمر مختلفا فى تأثيراته عبر المناطق الجغرافية عالميا وأيضا داخل البلد الواحد. لذلك، فإن جائحة كوفيد تقدم لنا دروسا للمستقبل لمنع أزمات النظم الصحية وانهيارها كما حدث فى بعض البلدان.
***
فى بداية الوباء، كان لبعض أكبر المدن العالمية (مثل لندن ومدريد وميلانو ومدينة نيويورك) أعلى معدل إصابة لحالات كوفيدــ19. تنبأت النماذج الوبائية بأنه بدون استراتيجيات التخفيف، سينتشر المرض فى المناطق الحضرية بشكل أسرع من المناطق الريفية. ومع ذلك، فإن العديد من المناطق التى تضررت فى البداية بشدة من كوفيدــ19 سنت تدابير احتواء مثل إغلاق التجارة على نطاق واسع والقيود الصارمة على السفر. أدت هذه القواعد، جنبا إلى جنب مع التباعد الاجتماعى، إلى انخفاض كبير فى التنقل سيرا على الأقدام والسيارات والنقل العام، لا سيما فى المدن.
منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) أن «كوفيدــ19 حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا» فى 30 يناير 2020، تسبب الوباء فى أزمة عالمية، تتميز بآثار متعددة على الاقتصادات والمجتمعات، تختلف التأثيرات بشدة عبر المناطق، بما فى ذلك داخل البلدان. وينطبق هذا على انتشار الفيروس وعواقبه الصحية وكذلك آثار الأزمة الاقتصادية التى تلت ذلك وتأثيراتها على العمالة والفقر. لذلك، فإن جائحة كوفيد ــ 19 تقدم دروسا للنظم الصحية فى المستقبل يجب التعلم منها.
السؤال الثانى الضرورى متعلق بالدروس التى تركها الوباء لنتعلمها فيما يخص شكل وتصميم المرافق الصحية فى المواجهة الوبائية: هل هى وحدات الرعاية الأولية الأوسع انتشارا، وتصميم المنشآت الصحية بأنماط مسطحة وبسيطة إلى جانب تأهيل مستشفيات الحميات والصدر التى تتمتع بمساحات مفتوحة وواسعة، والاستثمار العام فيها وبناء المزيد منها، أم التركيز على المستشفيات العامة والمتخصصة ضيقة المساحة، رأسية التصميم، والتى بحكم طبيعة تخصصاتها، تكون هناك كثافة فى الحضور والازدحام وتساهم بشكل غير مباشر فى مزيد من العدوى. هل سينعكس الدرس ونتعلم منه شيئا عن أهمية الرعاية الأولية الصحية فى مواجهة العدوى والتوعية.
ومن المفترض أن تعيد الجائحة طرح مفهوم الرعاية الصحية المجتمعية وهى الخدمات المقدمة من كوادر صحية مجتمعية، ويضم هذا المصطلح مجموعة متنوعة من العاملين والعاملات فى القطاع الطبى، منهم المتخصص وغير المتخصص، ومنهم الرسمى وغير الرسمى، ومدفوع الأجر والطوعى، فضلا عن الأفراد داخل المنشآت ممن يقدمون الدعم لتلك الكوادر ويشرفون عليها ويقدمون خدمات وحملات التواصل والتوعية. غير أن التوجيه والقيادة يشتمل على مجموعات اختصاصية (أطباء متخصصون) محددة مع بيان أدوارها. يوجد فى كل مجتمع جهات فاعلة محلية وعمليات تتداخل مع عمل القطاع الطبى، وهى محورية فى تقديم رعاية صحية عالية الجودة متركزة على المستهدفين، وفى بناء صمود النظم الصحية. ومن الجهات الفاعلة ذات الصلة السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية والمجموعات المجتمعية المختلفة.
***
وفى سياق ملف التطعيمات المضادة لفيروس كورونا، هل يمكن البحث عن طرق غير تقليدية للوصول للمناطق المهمشة والعشوائية بوسائل متنقلة مختلفة تراعى البعد الاجتماعى وتسهل الوصول للمجموعات المهمشة؟ حيث أن هناك فجوة عدالة فى توزيع مراكز الحصول على اللقاحات بين المحافظات، فهناك بعض المحافظات يوجد بها عدد مراكز قليلة، وتوزيعها داخل المحافظة ليس متناسبا مع الكثافة السكانية، ما يمثل عائقا أمام المواطنين والمواطنات للحصول على اللقاح، من ناحية اضطرار المواطنين والمواطنات استخدام وسائل مواصلات خاصة للوصول لمركز التطعيم، وهو ما يشكل عائقا ماديا أمام بعض أفراد المجتمع، وعائقا أمام كبار السن لصعوبة التنقل.
وفقا (لخريطة طريق فريق الخبراء الاستشارى الاستراتيجى المعنى بالتمنيع لتحديد أولوية استخدامات لقاحات كوفيدــ19 فى سياق الإمدادات المحدودة) المجموعات الاجتماعية الأكثر هشاشة فى المجتمع والمعرضة لخطر مرتفع للإصابة بالعدوى ونقلها لعدم قدرتهم على مراعاة التباعد الجسدى يقعون ضمن المجموعات التى لها أولوية للحصول على اللقاح ويجب على الحكومات بذل مجهودات مضاعفة للوصول إليهم، ونحتاج إلى مجهودات أو تدخلات خاصة لتسهيل حصولهم على اللقاح. ويأتى ضمن هذه الفئة المجموعات التى ليس لديها خيار سوى العمل فى ظروف صعبة، ودون تباعد جسدى أو ليس لديها القدرة المالية على الوصول إلى معدات الحماية الشخصية، والطبقات الاجتماعية التى تعيش فى أحياء مكتظة بالسكان فهذه المجموعات تعد محرومة مقارنة بالمجموعات الأخرى من السكان التى تعيش فى ظروف اجتماعية واقتصادية أفضل ولديها القدرة على توفير معدات الحماية الشخصية. ويندرج ضمن هذه المجموعات، الأشخاص ذوى الإعاقة؛ والأشخاص الذين يعيشون فى فقر مدقع، ومن لا مأوى لهم، والمجموعات السكانية التى يصعب الوصول إليها مثل تلك الموجودة فى المناطق الريفية والنائية. من اللازم الآن تصميم تدخلات خاصة أو إجراءات استباقية للوصول لهذه المجموعات وضمان حصولهم على اللقاح.
وفى الخلاصة، تبرز أهمية نشر قواعد البيانات الخاصة بانتشار الفيروس، وإصدار بيان يومى بعدد من تلقوا الجرعة الأولى فقط ومن تلقى الجرعتين كاملتين، والإعلان عن معدلات التطعيم حسب العمر والنوع الاجتماعى والمحافظة، والتوسع فى نقاط التطعيم ومن الممكن الاعتماد على النموذج الذى أجرى فى حملة القضاء على فيروس سى الأخيرة من حيث الانتشار والتواجد الجغرافى وتصميم الرسائل الإعلامية وإقناع المواطنين والمواطنات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved