حتى لا نكرر مأساة الأموال الساخنة
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 3 أغسطس 2024 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
هل الحكومة الجديدة واعية ومنتبهة لخطورة تكرار الاعتماد على الأموال الساخنة مرة أخرى بعد أن دفعنا ثمنًا فادحًا لها بعد بداية الحرب الروسية الأوكرانية، حيث خرج أكثر من عشرين مليار دولار، ويرتبط بهذا السؤال سؤال مهم جدا، وهو: هل لدى الحكومة خطة واضحة باستمرار تدفق الدولارات إلى شرايين الاقتصاد المصرى، بعد أن ينتهى مفعول دولارات صفقة رأس الحكمة وأموال مؤسسات التمويل الدولية خصوصًا الصندوق والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبى وشركاء التنمية؟ والسؤال الثالث: كيف تضمن الحكومة السير على الخيط الرفيع جدًا الذى يوازن بين ضرورة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، وبين عدم الإضرار بمعيشة المواطنين خصوصًا الفقراء ومحدودى الدخل، إضافة إلى قضية التفكير فى تحويل الدعم من عينى إلى نقدى.
الأسئلة السابقة وجهتها للدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف وعددًا من مقدمى البرامج التليفزيونية، عصر يوم الثلاثاء الماضى، فى مقر مجلس الوزراء بمدينة العلمين الجديدة، فى يوم كان شديد الحرارة، ولم يخفف منه إلا الطقس النموذجى فى هذه المدينة الساحرة فى الساحل الشمالى.
فيما يتعلق بالسؤال الأول سواء الجزء المتعلق بالأموال الساخنة أو تدفق الدولارات كان الدكتور مدبولى واضحًا فى التأكيد على أن هناك خطة ورؤية واضحة لدى البنك المركزى بأن تكون الأموال الساخنة فى إطار عملية يمكن إدارتها، ولا تؤثر سلبًا علينا.
طبعًا نتذكر أن هناك نحو 22 مليار دولار هربت من مصر فى الأسابيع التالية لبدء الحرب الروسية الأوكرانية فى نهاية فبراير ٢٠٢٢، وكانت أحد الأسباب الأساسية فى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى عانت منها البلاد.
خصوصًا بعد أن رفعت الولايات المتحدة وأوروبا سعر الفائدة من صفر فى المئة تقريبًا لنحو ٥٫٥٪.
والتقارير المتواترة أن هذه الأموال الساخنة عادت إلى التدفق من جديد إلى مصر بفعل سعر الفائدة المرتفع جدًا.
وكل التمنيات أن نكون أكثر وعيًا فى عدم تكرار ما حدث قبل عامين.
فيما يتعلق بتدفق الدولارات قال رئيس الوزراء إن هدف السياسة النقدية الحالية ضمان استمرار تدفق الدولارات وبقية العملات الصعبة من المصادر الأساسية خصوصًا تعظيم الصادرات، وبالأخص من قطاع الصناعة وجذب الاستثمارات وتحويلات المصريين بالخارح.
الدكتور مدبولى كان واضحًا فى أن ما تم اتخاذه من إجراءات بعد قرار توحيد سعر الصرف قبل شهور قد ساهم إلى حد كبير فى حل للمشكلة خصوصًا القضاء على السوق السوداء، وعودة تحويلات المصريين من الخارج إلى شبه معدلاتها الطبيعية.
بالطبع يظل التحدى الأساسى هو كيفية زيادة الصادرات خصوصًا من قطاع الصناعة، على أن يكون ذلك هو «الشغل الشاغل للحكومة» حسب تعبير د. مدبولى.
فيما يتعلق بموارد الدولارات أيضًا فان الدكتور مدبولى قال إن التوترات فى المنطقة جعلت إيرادات قناة السويس الشهرية تتراجع إلى ٣٠٠ مليون دولار بدلًا من ٨٥٠ مليونًا قبل بداية الأزمة، هذا النقص يسبب مشكلة كبيرة، وبالتالى علينا أن نفكر فى سيناريو ماذا لو توقفت الحرب، وعادت هذه الإيرادات مرة أخرى، لكن علينا أيضًا أن نفكر فى سيناريو آخر ماذا لو تفاقمت الأمور، وخسرنا الـ٣٠٠ مليون دولار الحالية؟
وجود الـ٦ أو ٧ مليارات دولار التى خسرناها، بسبب الأزمة سيحل مشاكل كثيرة للاقتصاد المصرى لكن التوقف الكامل هو سيناريو شديد السواد لمصر. النقطة التى ركز عليها رئيس الوزراء أن العالم والمنطقة يعيشان أوضاعًا شديدة الاضطراب، وكل يوم هناك مشكلة عالمية أو إقليمية لا دخل لمصر بها، لكنها تتأثر بها كثيرًا.
وبالطبع فإن حديث رئيس الوزراء جرى قبل ساعات قليلة من تصعيد الإجرام الإسرائيلى باغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر والإعلان عن مقتل محمد الضيف خلال أقل من يوم، وهو ما ينذر بدخول المنطقة فى صراع شامل قد لا يبقى ولا يذر.
هل يدرك المواطن العادى هذه التقاطعات والتداخلات، وهل يدرك تأثيرها على أوضاعنا الاقتصادية، وأن الحكومة لا دخل لها فيها؟! هذا هو لسان حال رئيس الوزراء فى العديد من إجاباته عن الأسئلة، وسيبقى لنا الحديث عن رغبة الحكومة فى التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى وإمكانية تطبيق ذلك على أرض الواقع وعيوبه ومميزاته.