موقف السلطة الجديدة من الصراع الاجتماعى داخل البيروقراطية المصرية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 3 سبتمبر 2014 - 12:39 م بتوقيت القاهرة

كتب عمرو عادلى مقالا تحليليا يتناول فكرة تحديد الحدَّين الأقصى والأدنى للأجور فى الخدمة المدنية فى مصر لجعل النظامَ أكثر شفافية ومساواة، نشره مركز كارنيجى للسلام الدولى.

جاء فى المقال إن البيروقراطية الحكومية فى مصر ليست جهازا إداريا فحسب يطبق سياسات السلطة الحاكمة بل إنها تشكل قاعدة اجتماعية لها أهمية سياسية بالغة جعلت نظم الحكم المتتالية طيلة العقود الماضية تعول على كسب ولائها أو على الأقل تحييدها عن أى صراع، وليس نظام الرئيس عبد الفتاح السيسى وحكومته باستثناء من هذه القاعدة، وهو ما يتجلى فى تصوير حكومتى ما بعد الثلاثين من يونيو لإقرار حدين أدنى وأقصى للأجر فى الجهاز الإدارى للدولة أو ما يعرف بالبيروقراطية الحكومية بأنه إجراء يسعى لتلبية مطالب العدالة الاجتماعية التى رفعت فى ثورة يناير ٢٠١١، والتى أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك. وينبغى فهم الإصلاحات الأخيرة المستهدفة لوضع حدين أدنى وأقصى للأجر فى إطار مساعى السلطة السياسية الجديدة لاكتساب الشرعية داخل الجهاز البيروقراطى بما يمثله من قوة عمل ضخمة، وذلك بإعلان الانحياز لمطالب القاعدة العريضة من صغار ومتوسطى الموظفين، وبتبنى خطاب إصلاحى، وبإعمال لغة ثورة يناير فى قضية الحد الأدنى والأقصى للدخل. بيد أنه على الرغم من أهمية هذه الإجراءات إلا أنها لا ترقى إلى كونها بديلا عن خطة إصلاحية شاملة تهدف إلى رفع كفاءة البيروقراطية الحكومية كما أن إقرار الحدين الأدنى والأقصى قد اقتصر على جهاز الدولة الإدارى فحسب تاركا القطاعين العام والخاص تماما على نحو أثار العديد من الاحتجاجات فى الشهور الماضية، كما أن إقرار الحدين قد أتى بقرار فوقى دونما تمثيل لمصالح الموظفين والذين يظلون بحكم القانون محرومين من الحق فى إنشاء نقابات.

•••

أشار عادلى فى مقاله إلى سلسلة القرارات والقوانين التى شهدتها السنوات التالية على ثورة يناير ٢٠١١ وصدرت عن المجلس العسكرى إبان إدارته الانتقالية للبلاد ثم عن حكومة الإخوان المسلمين بزيادات فى الأجور والمعاشات، وقد تباينت هذه الإجراءات فى استهداف أجهزة وإدارات حكومية بعينها دون غيرها، وكان اللافت طيلة السنوات الثلاث التالية على الثورة هو استهداف العاملين العسكريين بالدولة ورجال الشرطة بزيادات كبيرة فى الأجور والمعاشات، وجرى تفسير هذه الزيادات المتواترة بالرغبة فى كسب ولاء العاملين بالمؤسستين خاصة مع تزايد الأعباء الأمنية الملقاة على عواتقهما فى أعقاب الثورة ومع الاضطراب السياسى والاجتماعى والانفلات الأمنى. على أنه طيلة هذه السنوات لم يتم اتخاذ أو تنفيذ إجراءات بهدف إعادة هيكلة شاملة للأجور فى البيروقراطية المصرية بشكل عام على النحو الذى جرى بعد الثلاثين من يونيو.

•••

أضاف عادلى؛ كان المجلس العسكرى الذى تولى الإدارة الانتقالية للبلاد بين فبراير ٢٠١١ ويوليو ٢٠١٢ قد أصدر مرسوما بقانون (رقم ٢٤٢ لسنة ٢٠١١) بربط الحد الأقصى بخمسة وثلاثين ضعف الحد الأدنى إلا أن هذا المرسوم لم يدخل حيز النفاذ لأن حكومات تلك الفترة لم تضع حدا أدنى للأجر، ولم ينفذ القرار إلا عند تحديد الحد الأدنى للأجر فى عهد حكومة الببلاوى بواقع ١٢٠٠ جنيه مصرى شهريا للعاملين فى جهاز الدولة الإدارى (أى حوالى ١٦٨ دولارا أمريكيا) بدءا من يناير ٢٠١٤ بمقتضى قرار من رئيس مجلس الوزراء (رقم ٢٢ لسنة ٢٠١٤)، وقد جعل قرار الحد الأدنى تنفيذ الحد الأقصى ممكنا، واستنادا لهذا أصدر عبد الفتاح السيسى القانون رقم ٦٣ لسنة ٢٠١٤ بوضع حد أقصى للدخل الشهرى للعاملين فى جهاز الدولة، وتم تحديد السقف الكلى للدخل بمبلغ ٤٢ ألف جنيه مصرى شهريا (ما يناهز ٥٨٧٠ دولار أمريكي) كأقصى مبلغ يحق لأى موظف فى الدولة أن يحصل عليه، وهو الإجراء الأول من نوعه الذى يدخل حيز النفاذ فى هذا الصدد منذ عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وقد قوبل وضع حد أقصى للدخل الحكومى بالكثير من المعارضة بالفعل من الفئات ذات الدخل الأعلى فى قطاعات كالبترول والبنوك العامة (المملوكة للدولة) وبين قيادات العديد من الوزارات بما فيها وزارات حيوية كالداخلية، وأعلنت بعض من هذه القطاعات الامتناع عن تنفيذ القرار خوفا من خسارة الكفاءات لصالح القطاع الخاص، ومع ظهور بوادر المقاومة فإن الحكومة قد تمسكت بموقفها بعدم إدخال أى استثناءات على تطبيق الحد الأقصى، ما يعنى تجاهلها لمقاومة الشرائح الأعلى دخلا فى البيروقراطية الحكومية.

•••

واختتم عادلى مقاله مشيرا إلى أنه ليس بالإمكان فهم الإجراءات الإدارية والمالية الأخيرة التى اتخذت بعد ٣٠ يونيو وخاصة مع صعود عبد الفتاح السيسى لسدة الحكم إلا فى سياق مساعى السلطة الجديدة لكسب التأييد واكتساب الشرعية عن طريق تبنى خطاب يمكن من خلاله الادعاء بتنفيذ مطالب العدالة الاجتماعية التى رفعتها ثورة يناير، خاصة فى أوساط العاملين بالدولة، وذلك عن طريق تبنى موقف حاد إزاء الصراع الاجتماعى داخل جهاز الدولة البيروقراطى على توزيع الموارد، وذلك بالانحياز الصريح للقاعدة العريضة من الموظفين. وعلى الرغم من هذه الإجراءات إيجابية فى كونها تزيد من مقدار الشفافية فى توزيع الموارد، وتعمل على إخضاع الجميع لذات المعايير المالية والإدارية إلا أنها لا تعبر عن برنامج متكامل لإصلاح الجهاز البيروقراطى فى مصر، والذى يعانى من ضعف شديد فى الكفاءة، واستشراء لشتى أنواع الفساد واستغلال النفوذ، ولا يتمتع بأى قدر من المساءلة أو المحاسبة أمام البرلمان أو أمام الجمهور، ومن غير الواضح ما إذا كانت إجراءات إقرار الحدين الأدنى والأقصى تأتى كمقدمة للمزيد من التعديلات التى تستهدف عمل الجهاز الإدارى أم أنها مجرد إجراءات توزيعية متصلة بكسب التأييد السياسى للسلطة الجديدة، إذ إن إصلاحا أشمل وأعمق للجهاز الإدارى للدولة يتطلب خطة أطول مدى ومجهودات مستمرة وممنهجة للإصلاح بجانب بناء السلطة السياسية لقواعد اجتماعية وسياسية تدعم مشروع الإصلاح، وهو ما ليس متحققا إلى اليوم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved