ثورة الذكاء الاصطناعى والمنافسة الاستراتيجية مع الصين

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الجمعة 3 سبتمبر 2021 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب إريك شميت يرى فيه أهمية أن تقود الولايات المتحدة العالم الديمقراطى فى مجال التكنولوجيا العالمية والذكاء الاصطناعى لدعم القيم الديمقراطية وتطوير تكنولوجيات آمنة وموثوقة، وألا تتركها للصين للتحكم فى مسارها.. نعرض منه ما يلى.

لقد بدأ العالم فى التعامل مع مدى عمق ثورة الذكاء الاصطناعى. ستخلق تقنيات الذكاء الاصطناعى موجات من التقدم فى البنية التحتية الأساسية، والتجارة، والنقل، والصحة، والتعليم، والأسواق المالية، وإنتاج الأغذية، والاستدامة البيئية. من شأن النجاح فى اعتماد الذكاء الاصطناعى أن يدفع الاقتصادات إلى الأمام ويُعيد تشكيل المجتمعات ويُحدد البلدان التى ستضع القواعد للقرن القادم.
تتزامن هذه الفرصة المُتاحة أمام الذكاء الاصطناعى مع لحظة من الضعف الاستراتيجى. وقد جادل الرئيس الأمريكى جو بايدن أن أمريكا فى «منافسة استراتيجية طويلة الأمد مع الصين». وهو على حق. ومع ذلك، ليست الولايات المتحدة وحدها المُعرضة للخطر، بل حتى العالم الديمقراطى بأسره، حيث تُشكل ثورة الذكاء الاصطناعى أساس التنافس الحالى بين الديمقراطية والاستبدادية من حيث القِيم. يجب أن نثبت أن الديمقراطيات يمكن أن تنجح فى عصر الثورة التكنولوجية.
لقد أضحت الصين اليوم منافسًا تكنولوجيًا قويًا. فهى مُنظمة ومُجهزة بالموارد ومُصمِّمة على الفوز بهذه المنافسة التكنولوجية وإعادة تشكيل النظام العالمى لخدمة مصالحها الضيقة. يُعد الذكاء الاصطناعى وغيره من التكنولوجيات الناشئة أمرًا محوريًا فى الجهود التى تبذلها الصين لتوسيع نفوذها العالمى، وتجاوز القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة، وتأمين الاستقرار المحلى. تعمل الصين على تنفيذ خطة منهجية موجهة مركزيًا لاستخلاص المعلومات حول الذكاء الاصطناعى من الخارج من خلال التجسس وتوظيف المواهب ونقل التكنولوجيا والاستثمارات.
•••
يُثير استخدام الصين للذكاء الاصطناعى قلقًا عميقًا فى المجتمعات التى تُقدر الحرية الفردية وحقوق الإنسان. كما يجرى تصدير استخدامها للذكاء الاصطناعى إلى الخارج ــ كأداة للقمع والمراقبة والرقابة الاجتماعية فى الداخل. تقوم الصين بتمويل مشاريع ضخمة تتعلق بالبنية التحتية الرقمية فى جميع أنحاء العالم، فى حين تسعى إلى وضع معايير عالمية تعكس القيم الاستبدادية. يتم استخدام تكنولوجيتها لتمكين الرقابة الاجتماعية وقمع المعارضة.
ومع ذلك، من الواضح أن المنافسة الاستراتيجية مع الصين لا تعنى أنه لا ينبغى لنا العمل مع الصين لما يكون ذلك مُجديًا. يتعين على الولايات المتحدة والعالم الديمقراطى الاستمرار فى التعامل مع الصين فى مجالات مثل الرعاية الصحية وتغير المناخ. لن يكون وقف التجارة والعمل مع الصين مسارًا مُجديًا للمضى قدمًا.
لقد أدى النمو السريع للصين وتركيزها على الرقابة الاجتماعية إلى جعل نموذجها التكنولوجى الاستبدادى جذابًا للحكومات الاستبدادية ومغريًا للديمقراطيات الهشة والدول النامية. هناك الكثير من العمل الذى يتعين القيام به لضمان قدرة الولايات المتحدة والعالم الديمقراطى على ربط التكنولوجيا العملية من الناحية الاقتصادية بالدبلوماسية والمساعدات الخارجية والتعاون الأمنى للتنافس مع استبدادية الصين الرقمية المُصدَّرة.
•••
تسعى الولايات المتحدة والدول الديمقراطية الأخرى إلى اللحاق بالركب من خلال الاستعداد لخوض هذه المنافسة التكنولوجية العالمية. وفى الثالث عشر من يوليو 2021، استضافت لجنة الأمن القومى المعنية بالذكاء الاصطناعى القمة العالمية للتكنولوجيا الناشئة، والتى عرضت ميزة نسبية هامة تتمتع بها الولايات المتحدة وشركاؤنا فى مختلف أنحاء العالم: شبكة واسعة من التحالفات بين الدول الديمقراطية، والمُتأصلة فى القيم المشتركة واحترام سيادة القانون والاعتراف بحقوق الإنسان الأساسية.
تُعد المنافسة العالمية للتكنولوجيا فى النهاية منافسة للقِيم. بالتعاون مع الحلفاء والشركاء، يمكننا تعزيز الأطر القائمة واستكشاف أطر جديدة لتشكيل برامج ومعايير وقواعد الغد وضمان تجسيدها لمبادئنا. إن توسيع نطاق قيادتنا العالمية فى مجال البحث التكنولوجى والتطوير والحوكمة والمنصات من شأنه أن يضع ديمقراطيات العالم فى أفضل وضع لاستغلال الفرص الجديدة والدفاع ضد مواطن الضعف. فى الواقع، لا يمكننا وضع معايير لتطوير هذه التكنولوجيا البالغة الأهمية واستخدامها على نحو مسئول إلا من خلال الاستمرار فى قيادة تطورات الذكاء الاصطناعى.
•••
يوفر التقرير النهائى للجنة الأمن القومى للذكاء الاصطناعى خارطة طريق المجتمع الدولى الديمقراطى للفوز فى هذه المنافسة.
أولا، يتعين على العالم الديمقراطى استخدام الهياكل الدولية القائمة ــ بما فى ذلك منظمة حلف شمال الأطلسى، ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، ومجموعة الدول السبع، والاتحاد الأوروبى ــ لتعميق الجهود الرامية إلى التصدى لجميع التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعى والتكنولوجيات الناشئة. وبذلك، تُعد رئاسة المملكة المتحدة الحالية لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أمرًا مُشجعًا، وذلك فى ظل أجندتها التكنولوجية القوية والجهود المبذولة لزيادة التعاون فيما يتعلق بمجموعة من المبادرات الرقمية. يعكس قرار مجموعة السبع بإشراك أستراليا والهند وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا اعترافًا مهمًا بضرورة إشراك الدول الديمقراطية من جميع أنحاء العالم فى هذه الجهود.
وعلى نحو مماثل، يُعد مجلس التجارة والتكنولوجيا الذى تم إطلاقه حديثًا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى (والذى يعكس من نواح عديدة دعوة لجنة الأمن القومى للذكاء الاصطناعى للحوار الاستراتيجى بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى حول التكنولوجيات الناشئة) بمثابة آلية واعدة لمواءمة أكبر الشركاء التجاريين والاقتصادات فى العالم.
ثانيًا، نحن فى حاجة إلى هياكل جديدة، مثل المجموعة الرباعية ــ الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا ــ لتوسيع نطاق الحوار بشأن الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيات الناشئة وآثارها، وكذا من أجل تعزيز التعاون فى تطوير المعايير والبنية التحتية للاتصالات والتكنولوجيا الحيوية وسلاسل التوريد. يمكن أن تُشكل المجموعة الرباعية أساسًا للتعاون الأوسع نطاقًا فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ عبر الحكومة والصناعة.
وثالثًا، نحتاج إلى بناء تحالفات إضافية حول الذكاء الاصطناعى ومنصات التكنولوجيا المستقبلية مع حلفائنا وشركائنا. وقد دعت لجنة الأمن القومى المعنية بالذكاء الاصطناعى إلى إنشاء تحالف يتكون من الديمقراطيات المتقدمة لمزامنة السياسات والإجراءات حول الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيات الناشئة فى سبع مجالات أساسية:
ــ وضع وتنفيذ معايير وقواعد لدعم القيم الديمقراطية وتطوير تكنولوجيات آمنة وموثوقة.
ــ تعزيز وتسهيل البحث والتطوير المنسقين والمشتركين بشأن الذكاء الاصطناعى والهياكل الأساسية الرقمية التى تنهض بالمصالح المشتركة وتُفيد البشرية.
ــ تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون من خلال بذل جهود مشتركة لمكافحة الرقابة وسوء تنظيم العمليات الإعلامية والاتجار بالبشر والاستخدامات غير الليبرالية لتكنولوجيات المراقبة.
ــ استكشاف السبل الكفيلة بتسهيل تبادل البيانات بين الحلفاء والشركاء من خلال اتفاقيات التمكين، والإجراءات المُشتركة لحفظ البيانات، والاستثمارات التعاونية فى تكنولوجيات تعزيز الخصوصية، ومن خلال معالجة الحواجز القانونية والتنظيمية.
ــ تعزيز وحماية الابتكار، لاسيما من خلال ضوابط التصدير، وفحص الاستثمار، وضمان سلاسل التوريد، والاستثمار فى التكنولوجيا الناشئة، والسياسات التجارية، والبحوث والحماية الإلكترونية، وملاءمة الملكية الفكرية.
ــ تطوير المواهب المتعلقة بالذكاء الاصطناعى من خلال تحليل تحديات سوق العمل، وتنسيق متطلبات المهارات وإصدار الشهادات، وزيادة تبادل المواهب والتدريب المشترك ومبادرات تنمية القوى العاملة.
ــ إطلاق مبادرة الديمقراطية الرقمية الدولية لملاءمة جهود المساعدة الدولية من أجل تطوير وتعزيز وتمويل اعتماد الذكاء الاصطناعى والتقنيات المرتبطة به التى تتوافق مع القيم الديمقراطية والمعايير الأخلاقية المتعلقة بالانفتاح والخصوصية والأمن والموثوقية.
•••
لا يمكن الحفاظ على هذا الزخم إلا من خلال العمل المُشترك. تُشكل الشراكات ــ بين الحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية ــ ميزة رئيسية غير متكافئة تتمتع بها الولايات المتحدة والعالم الديمقراطى للتغلب على منافسينا. كما أظهرت الأحداث الأخيرة فى أفغانستان، تظل قدرات الولايات المتحدة ضرورية فى عمليات الحلفاء، ولكن يتعين على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهود لحشد الحلفاء حول قضية مشتركة. تُبشر هذه الحقبة من المنافسة الاستراتيجية بتغيير عالمنا، ويمكننا إما إحداث التغيير أو الانسياق وراءه.
نحن نعلم الآن أن استخدامات الذكاء الاصطناعى فى جميع جوانب الحياة ستتزايد مع استمرار تسارع وتيرة الابتكار. نعلم أيضًا أن خصومنا مُصممون على تحويل قدرات الذكاء الاصطناعى ضدنا. ولذلك، يتعين علينا الآن التصرف بشكل فورى.
من شأن المبادئ التى نُؤسسها، والاستثمارات التى نقوم بها، وتطبيقات الأمن القومى التى نعتمدها، والمنظمات التى نُعيد تصميمها، والشراكات التى نُقيمها، والتحالفات التى نبنيها، والمواهب التى نُشجعها أن تُحدد المسار الاستراتيجى لأمريكا والعالم الديمقراطى. يتعين على الديمقراطيات أن تستثمر كل ما يلزم للحفاظ على ريادتها فى المنافسة التكنولوجية العالمية، واستخدام الذكاء الاصطناعى على نحو مسئول للدفاع عن الشعوب والمجتمعات الحرة، والنهوض بالعلوم لصالح البشرية جمعاء.
سيُعيد الذكاء الاصطناعى تنظيم العالم وسيُغير مجرى التاريخ البشرى. يجب أن يقود العالم الديمقراطى هذه العملية.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved