جماجم الناس ليست سلما للوصول
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
السبت 3 أكتوبر 2015 - 8:25 ص
بتوقيت القاهرة
تحدثت كثيرا فى شبابى عن قصة إبراهيم وإسماعيل وقصة الفداء، فكنت أتحدث عن فكرة التضحية بالأموال والأوقات وانتهاء بالنفس والإنسان من أجل إقامة دولة الإسلام، ومن أجل إقامة الشريعة وتطبيقها عمليا فى واقع الناس. وكنت أستدل دوما بقصة تضحية إبراهيم بابنه إسماعيل «عليهما السلام». فقد كان إبراهيم مستعدا بالتضحية بفلذة كبده امتثالا لأمر ربه. وعندما بلغت شيئا من النضج أدركت أننى لم ألتفت إلى معنى هام، وهو أن الله سبحانه وتعالى أبى أن يضحى بالإنسان وفداه بذبح عظيم. ونحن نحتفل بذبح الكبش فى العيد لنتذكر شيئا مهما أن الإنسان أغلى من كل شىء. وأن عصر التضحية بالإنسان من أجل أى شىء مهما كان غاليا قد انتهى. فالله أراد اختبار إبراهيم فحسب ولم يرد ذبح إسماعيل.
لم أفهم يومها أن هذه إشارة عظيمة من رب عظيم وقرآن كريم، مفادها أن عهد التضحية بالإنسان من أجل جماعة أو سلطة أو حاكم أو إمبراطورية أو مذهب أو عرق قد انتهى إلى غير رجعة. وأن من ضمن التكريم الإلهى للإنسان المسلم وغير المسلم ألا تكون جماجمه سلما لأمجاد أحد. ويؤكد معنى الفداء بطلان النشيد الذى كانت تذيعه إذاعة صوت العرب قديما وكنا نحفظه ونردده فى شبابنا «لبيك واصنع من جماجمنا لعزك سلما» واقتبسه بعض الإسلاميين فى أناشيدهم مع بعض التغيير والتحوير «لبيك إسلام العروبة.. كلنا نحمى الحمى.. لبيك واصنع من جماجمنا لعزك سلما».
فالإسلام لا يصنع مجده ولا يتألق على جماجم الناس، فهو أعظم من ذلك وليس بحاجة لذلك. الإسلام جاء للإحياء وكذلك كل الأنبياء والمرسلين. ولم يثبت عن أى رسول أنه أراد أن يصنع من جماجم أتباعه أو مخالفيه سلما للوصول إلى عز أو مجد أو بلاغ لرسالة. كانوا يريدون إحياء الناس ماديا ومعنويا. والرسول «صلى الله عليه وسلم» فعل الاثنين، وكذلك عيسى «عليه السلام» وكل الرسل عليهم السلام.
ومن أجل ذلك، رفض الإسلام أخذ الناس بالشبهات ليبنى دولة، ورفض أن ينتقم من خصومه حتى «يخاف السايب حينما يرى ما يحدث للمربوط» ورفض التعذيب حتى وإن أفاد فى تثبيت دعائم الدولة، لأن الباطل لا يقوم عليه حق.
والإسلام يعتقد فى الجميع براءة الذمة حتى وإن أفلت البعض من العقاب، لأنه لم يأت للعقاب أصلا بل جاء للإحياء ورحمة للعالمين. الإسلام جاء بـ«وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنمَا أَحْيَا النَاسَ جميعًا».. وتبنى منطق «مَن قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكأنمَا قَتَلَ النَاسَ جَمِيعًا».
«وَفَدينَاهُ بذبحٍ عظيم» تعنى فيما تعنى أن الإنسان أعظم من كل ما فى الأرض.. وحياته أغلى من كل الدنيا.. فلا تنهض الأمم على أشلائه ولا تنتصر الجماعات على دفق دمائه ولا يسود الحكام على ذله وهوانه وفقره وحاجته ولا تتقدم الدول على يتم وتثكل وترمل الكثير من أبنائها وبناتها.. ولا يبنى جاه القادة على بكائه وعويله.
لقد ضحى خالد بن الوليد بجاهه وغامر به وانسحب بجيشه حفاظا على حياة جنوده، لأنه يعلم أنهم أغلى عنده من كل جاه، وإذا بالجاه العظيم يأتيه سعيا ليتقلد وسام «سيف الله المسلول».
لقد أراد هتلر بناء دولة عنصرية من الجنس الأرى الألمانى الذى كان يراه جديرا بقيادة وسيادة العالم. ومن أجل هذه الفكرة المجنونة ضحى هتلر بقرابة 60 مليون إنسان من المدنيين والعسكريين من شعبه ومن شعوب أخرى قتلوا دون جدوى، وضاعت دماؤهم هدرا.
ورأى البيض الجدد فى أمريكا أنهم الأجدر بالحكم والسيادة، فقتلوا دون رحمة ولا شعور بالذنب كل المواطنين الأصليين «الهنود والأفارقة» لصنع مجد زائف. وقد بلغ عدد هؤلاء فى بعض الإحصائيات 20 مليونا.
وهذه فرنسا قتلت مليون جزائرى دون أن يرق لها قلب أو تدفع مليما تعويضا لهم. وكل ذلك لتصورهم أن من حق الأبيض أن يمدين هذه البلاد ويسوقها للحضارة. وأنه يكفيهم مسئولية تحضير العالم المتخلف.
لقد رأى مسن جزائرى هذه الجحافل الفرنسية الجرارة فقال: «إذا كنتم تريدون خيرنا فلماذا كل هذا السلاح».
وصدام استخدم الغازات ضد الأكراد بحجة المحافظة على القومية العربية التى تجيز أن تجعل من جماجم الناس لعزها سلما وهو يستبطن الحفاظ على جاهه وسلطانه.
فأفكار التعصب الأعمى للقوميات والعرقيات، إنما هى فرع من فروع النازية. فكمال أتاتورك تعصب للجنس التركى الطورانى، مما أدى إلى تعصب عربى مقابل. والتعصب العربى قابله تعصب كردى وأمازيغى.
وإيران قتلت الآلاف فى بداية ثوارتها وتؤيد قتل الآلاف فى سوريا والعراق واليمن مستبطنة للقومية الفارسية، التى تتخذ من المذهب الشيعى كغطاء وطلاء فقط.
فالتعصب للقوميات أو الحكام أو الجماعات أو المذاهب أو العرقيات يشعل الحروب ويضيق النفوس ويوقظ القوى المعادية أو المخالفة ويؤجج الكراهية داخلها.
وبعض الجماعات تزج بعشرات الآلاف من أبنائها إلى السجون تارة وإلى الموت أخرى، من أجل سلطة أو مشروع سياسى قد تناله أو لا تناله. مع أن عقلة إصبع من أحدهم أعظم وأولى بالرعاية من هذه السلطة أو المشروع السياسى.
وبعض الحكام الديكتاتوريين قد يذيق شعبه الويلات من أجل مشاريع سياسية وهمية. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، بشار الأسد الذى قتل وجرح 1/10 شعبه ودمر سوريا بأكملها، من أجل وهم اسمه «الممانعة ضد إسرائيل». وبعضهم قد يبذل عمره كله ويدمر شعبه معنويا وحسيا من أجل مشاريع وهمية. وكلهم يستبطن خدمه جاهه وملكه.