«ثورة الغلابة» فى دولة يونيو

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 3 أكتوبر 2016 - 11:10 م بتوقيت القاهرة

فى مواجهة دعوات تطالب بـ«إسقاط النظام» عبر مظاهرات تنطلق فى ميدان التحرير يوم 11 نوفمبر القادم تحت شعار «ثورة الغلابة»، اكتفت الحكومة برد لا يخلو من حدة ــ وإن غلبت عليها روتينية معتادة ــ على لسان مصدر أمنى، وهو يؤكد فى تصريحات نشرتها عدة مواقع إخبارية، أن وزارة الداخلية لن تسمح بخرق قانون التظاهر، وأنه سيتم التعامل بحسم وقوة مع المتظاهرين، كما لن يتم السماح بقطع الطرق والميادين العامة، أو تعطيل مصالح المواطنين على مستوى الجمهورية، وفى إشارة إلى أن الإخوان وراء هذه الدعوة، كشف المصدر أن قطاع الأمن الوطنى رصد عناصر تحشد لهذه الفعاليات من تركيا، وتحدد أماكن التظاهر، وتضع خططا إرهابية لتطويق قوات الأمن.

رد الحكومة الذى غلب عليه الطابع الأمنى، جاء خاليا من أى نكهة سياسية يمكن أن تتيح لها مجالا أوسع لرؤية الأسباب وراء هذه الدعاوى إلى «المظاهرات الثورية»، ولا بحث الدوافع التى رفعت منسوب الإحباط لدرجة مطالبة هؤلاء المتظاهرين المحتملين، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فى استدعاء واضح يمزج بين ثورتى يناير ويونيو فى خليط سياسى جديد، يتواكب مع انتهاج الحكومة لسياسات اقتصادية تحمل الطبقات المتوسطة والفقيرة أعباء ثقيلة لم يعد باستطاعتهم تحملها.

حتى الآن، يبدو أن الحكومة لا تدرك أن الأزمة الحقيقية التى نواجهها حاليا فى مصر، تتمثل فى أن المسافات تتسع بسرعة هائلة بين«ثورة 30 يونيو» و»دولة 30 يونيو»، ثورة 30 يونيو التى قامت فلسفتها على حق التظاهر باعتباره الوسيلة الشرعية لإعلان ملايين المصريين رأيهم فى حكم الإخوان، أصبح فى دولة 30 يونيو دعوة للهدم، وتم قمعه بقوانين تكبل حق المصريين فى التعبير عن مشاكلهم الحياتية، سواء بالمطالبة بوقف ارتفاعات الأسعار، أو زيادة الأجور أو المعاشات، ناهيك عن التعبير عن رأيهم فى قضية تيران وصنافير، أو مفاوضات سد النهضة.

ثورة 30 يونيو التى وضعت دستورا يحد من سلطات رئيس الجمهورية، ويعطى لرئيس الوزراء والبرلمان صلاحيات واسعة، أصبح عند دولة يونيو دستورا غير ملائم لطبيعة أوضاعنا الراهنة، ولا يناسب «تخلفنا السياسى»، لدرجة أن أحدهم وصفه بأن «سكره زيادة»، وكأنه يريد ــ بدون أن يدرى ــ أن يخبرنا، انه يتناقض مع «مرارة» حياتنا حاليا!.

ثورة يونيو التى أعطت الجماهير الحق فى الإطاحة بنظام حكم الإخوان، تستكثر دولتها عليهم مجرد الاختلاف مع النظام الحالى فى توجهاته الاقتصادية، وفى طبيعة وأولويات مشاريعه الضخمة، وفى توجهه نحو الاقتراض من الخارج، بل وتجعل كل من يختلف معه عرضة للهجوم اللاذع، بل متهما فى وطنيته.

«ثورة الغلابة» سواء كان وراءها الإخوان، أو قوى ليبرالية أو يسارية، أو حتى كل هذه الأطراف معا، هى نتاج طبيعى لهذه التناقضات، ومواجهتها بالعصا الأمنية قد تخمدها فى مهدها، ولكنها لن تحل الأزمة، ولن تجعل الناس أكثر رضا عن السياسات الحالية، أو قبولا لواقعهم المؤلم، بمعنى أصح!

أنا شخصيا لا أنتظر شيئا كبيرا يوم 11 نوفمبر، وقد تكون الدعوات المطالبة بثورة فى هذا اليوم مجرد فرقعة إعلامية، لكن الدلالة الرمزية لهذه الدعوات لها أهمية كبيرة، لأن المطالب التى ترفعها حتى إن لم تحققها ــ كما هو متوقع ــ ستكون الأولى من نوعها فى رئاسة السيسى، باعتبارها تطورا نوعيا فى درجة معارضته، لكنها أيضا ستكون اختبارا لكيفية تعامل السلطة مع تحد جديد لم تواجهه من قبل، لن تنجح فيه إلا بإجراء مراجعات شاملة لكل سياساتها فى مختلف المجالات!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved