هذا الفيضان الأجنبى إلى متى؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 3 أكتوبر 2018 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

من يتابع ما يكتب، وعلى الأخص عبر وسائل التواصل الاجتماعى، عن الازدياد الهائل فى أعداد العمالة الأجنبية، غير العربية، فى كل دول مجلس التعاون الخليجى، وعن الازدياد الكبير، فى الوقت نفسه، فى أعداد العاطلين عن العمل بين شريحة شباب هذه البلدان، يشعر بالحيرة أمام ظاهرة سكانية وعمالية تترسخ عاما بعد عام، دون وجود أية بوادر بتعامل حكومات هذه البلدان بكفاءة وبوطنية مع هذه الظاهرة.

نحن هنا بالأخص نشير إلى تراجع نسبة العمالة الوطنية فى الوظائف المتوسطة والعالية، فى القطاعين الحكومى والخاص.

لكن دعنا نطرح أولا أسئلة جوهرية بشأن لب هذا الموضوع، لأننا مقتنعون بأنه ما كان لهذه الظاهرة أن توجد لو تعاملت الجهات الرسمية فى هذه البلدان مع هذه الظاهرة بإرادة سياسية وطنية وباتباع حلول منطقية موضوعية كانت ولاتزال متوفرة عندنا. من هذه الأسئلة:

هل تستطيع دول مجلس التعاون أن تبنى نظاما تعليميا من أعلى المستويات الممكنة؟ نعم تستطيع ذلك، إذ بمقدورها أن توجد الأداة المفصلية المطلوبة لتحقيق ذلك النظام، ونعنى به المعلم الممتهن المدرب تدريبا رفيع المستوى، والمثقف ثقافة عالية. ولا يحتاج ذلك الإعداد للمعلم إلا وجود كليات تربية، هى الأخرى رفيعة المستوى أكاديميا وقادرة على تخريج عاملين تربويين مهيئين نظريا وعمليا لممارسة الإبداع والتجديد والكفاءة العالية أثناء قيامهم بمسئوليات مهنتهم، وهذا أيضا بمقدور حكومات هذه الدول أن تفعله بسهولة ويسر.
والنتيجة ستكون تخريج طلاب وطالبات يمتلكون، إضافة إلى أساسيات اللغة الأم ومختلف اللغات والعلوم الطبيعية والإنسانية وأشكال الثقافة الأدبية والفنية، يمتلكون قدرات تحليلية وتركيبية ونقدية وإبداعية وقيمية وسلوكية تؤهلهم لأن يكونوا مواطنين مسئولين وفاعلين من جهة وقوى عاملة كفؤة ومنتجة من جهة أخرى.

***

فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تعجز حكومات دول مجلس التعاون عن تحقيق ذلك، وذلك بالرغم من الإمكانيات المالية الهائلة الفائضة التى توفرت عبر عدة عقود؟
والأمر نفسه ينطبق على إيجاد برامج تدريبية لرفع المستويات المعرفية والمهنية لدى خريجى المدارس والجامعات، وذلك استجابة للمتغيرات الدائمة فى نوع العمالة المطلوبة لاقتصاد عولمى، هو الآخر، دائم التغير والتعقد. ما الذى منع وجود برامج تدريبية لتعليم مستمر للقوى العاملة الوطنية، من أجل أن تتناغم مع حاجات الأسواق والشركات والبنوك ووزارات الدولة، وحتى لا يضطر الجميع إلى استيراد عمالة من الخارج لسد النواقص فى مستويات العمالة الوطنية؟
لقد كان إذن باستطاعة حكومات دول مجلس التعاون أن تنشئ مدارس وجامعات وكليات مهنية ومراكز تدريبية ومراكز بحوث، وذلك بأفضل النوعيات والمستويات العالمية من خلال استيراد أفضل المعلمين والأساتذة والمدربين والباحثين من جميع أنحاء العالم، ولفترات محدودة، وإلى حين إحلال المواطنين فى تلك الوظائف التعليمية والتدريبية والبحثية.
لكن، ولأسباب غير مقنعة وغير مفهومة، أعطت الحكومات الأولوية للعمران المادى، ونسيت أن فورات العمران المادى التى لا يصاحبها عمران بشرى كان مالها دائما أن تنقلب إلى مدن أشباح ينعق فيها البوم وتعشعش فى خرائبها الغربان.
اليوم تجنى مجتمعات دول الخليج العربية حصاد تلك السياسات الخاطئة، تجنيها إمكانية متصاعدة لأن يصبح مواطنوها فى المستقبل القريب غرباء فى بلدانهم، تهدد النسبة العالية للأجانب غير العرب هوية بلدانهم العروبية ولغتهم وثقافتهم العربية، كما كتب عن ذلك ألف باحث وباحث. ومع الأسف كانت كتاباتهم صيحات فى واد، ليس لها حتى صدى مسموع.

***

لنطرح آخر سؤال: هل لدى المسئولون فى منطقة الخليج العربى وعى بالأخطار الهائلة التى تكمن فى التغيرات السكانية المفجعة تلك؟ ألا يرون ويسمعون ما يجرى فى بلدان العولمة الكاذبة من خوف وقلق على هوياتهم ونسب عمالتهم الوطنية من جراء أعداد المهاجرين إلى تلك البلدان؟ وذلك بالرغم من أن تلك الزيادة فى اللاجئين ستكون محدودة ومؤقتة وأيضا مندمجة فى مجتمعات البلدان.
بينما نتحدث نحن عن ظاهرة جارفة متنامية عندنا، ستؤدى إلى تناقص حاد مفجع فى نسب المواطنين العرب فى بلدان الخليج، وستؤدى إلى كوارث لغوية ودينية وثقافية كمقدمة لكوارث سياسية واقتصادية قادمة فى المستقبل البعيد.
ما يدمى القلب هو أن حكوماتنا لم تفشل فقط فى إيجاد تلك المنظومة التعليمية التدريبية، بشروطها وإمكانياتها الهائلة، عبر السنين الطويلة الماضية، وإنما تنتقل تدريجيا نحو التخلى حتى عن مسئولياتها الاجتماعية والتنموية تجاه حقول التعليم والتدريب، لتنقله شيئا فشيئا إلى القطاع الخاص الذى لا يعرف إلا منطق السوق ومنطق تراكم الأرباح، دون إعطاء أهمية لمواضيع وقيم والتزامات تتكلم عن الهوية والوطنية والتلاحم القومى المطلوب لبناء أمة العرب ووحدتها.
وطن العرب وطن غريب: لا الفقر يحفزه ولا الغنى يفتح عينيه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved