خمس نساء بخمسة أحزاب

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 3 أكتوبر 2021 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

بلد صغير فى رأس أوروبا أى أقصى شماله خرج من صراعات ونزاعات وفقر ولا يملك أى ثروات فى باطن أرضه فيما تساهم الطبيعة فى المزيد من المعاناة لأهله؛ فالشتاء طويل طويل وشديد القسوة حتى أن معظم ساعات اليوم تكون فى ظلمة الليل.
***
كل ذلك إلا أنه وفى سنوات استطاع أن يتخطى كثيرا من الصعاب وأن يكون الأكثر تطورا بين دول العالم فى عدد النساء الوزيرات بل إن أحزابه الرئيسية الخمسة تترأسها نساء وكثيرات منهن شابات. رئيسة وزرائه امرأة بل «صبية» حيث لا تتجاوز سنين عمرها الثانية والثلاثين ومعظم الوزيرات تحت الأربعين. بلد تقودها وتحركها النساء من الشابات بل إن نسبة مساهمة النساء فى الاقتصاد هى من بين الأعلى.
***
كلما تصغى لهن كلما تزداد إعجابا بهذا البلد المنفى فى شمال الشمال ليس من حيث مشاركة النساء فى صناعة القرار ومستقبل الوطن بل ولأن معظمهن يمتلكن قناعات مختلفة ومع ذلك استطعنا أن يخلقن حكومة من خمسة أحزاب بألوان وتفاصيل سياسية مختلفة. فقبل رئيسة الوزراء الحالية كانت هناك امرأة أخرى أيضا ولكنها قدمت من النقابات العمالية وتنحت سريعا ولكنها لا تزال تساهم فى العمل السياسى على مستوى وطنها فنلنده وكذلك تنقل خبرتها إلى العالم عبر طلبها للمشاركة فى العديد من المجالس الاستشارية.
***
تقول إحداهن إننا لسنا متفقين على كل الأمور فى إدارة البلاد ولكننا بحسن القيادات النسائية الخمسة استطعنا أن نصل إلى توافق هو فى حقيقة الأمر اتفاق لما هو فى مصلحة الوطن وليس مصلحة الحزب أو التنظيم أو العائلة أو الشريحة الحاكمة سمها ما تشاء. الأكثر إلهاما فى هذه التجربة ما تسمعه منهن، من هذه المجموعة من النساء التى تمضى ببلدها إلى فضاءات أوسع من مساحته الجغرافية. فحين تعرف أن رئيسة الوزراء سانا مارين ذات الرابعة والثلاثين هى أول من استطاع الوصول إلى الجامعة من أفراد عائلتها وما لبثت وهى فى العشرينيات وأن رشحت لشغل منصب وزيرة المواصلات ثم تسمعها تقول بكثير من التواضع «أنا لا أنظر لمنصبى أو عمرى أو جنسى ولا أفكر فى هذا الأمر أبدا» أنا فقط أعمل مع كثيرات غيرى للنهوض بأجيالنا القادمة والمضى ببلدنا نحو وضع اقتصادى واجتماعى أفضل. حين تسمعها تردد ذلك وهى مندهشة من انبهار متحدثاتها، تتصور الوضع فى عاصمة عربية مع رئيس للوزراء عربى ولا تستطيع أن تمنع نفسك من الضحك حتى القهقه مغمس بدمع سخرية الأقدار والمقارنة.
***
قبل سانا مارين كانت هناك رئيستان للوزراء كل واحدة بقصة مختلفة وكل واحدة قادمة من خلفية بعيدة عن الأخرى. تجلس المرأة الأكبر سنا، قد تكون فى عقدها الخامس كمساعدة لرئيسة الوزراء الشابة تمنحها كثيرا من خبرتها دون منة ولا تشفٍ بل بكثير من السلاسة والبساطة التى تشبه الماء. تتوالى النساء بقصص وحكايات كلها مؤثرة بل وملهمة لمن يحتفل بهن عند الموافقة على أن تقود المرأة السياسة فى القرن الواحد والعشرين أو أن يسمح لها بالسكن مستقلة عن أهلها أو أن تتولى منصبا بكثير من الجد والتعب والسنوات العجاف. بل هى مؤلمة حد الوجع عند مقارنة الحوارات بين النساء القياديات فى فنلنده وبين النساء فى أوطاننا من حيث تكرار الاختلاف على المساحات المحددة للمرأة وكيف أن عليها أن لا تتخطاها وعن أدوارها التى يجب أن تحافظ عليها لبقاء «البشرية والإنسانية» حيث يفرض الرجال وكثير من النساء أيضا مقاييس محددة وفضاءات مغلقة «تكرموا» بالسماح للنساء للعيش فى حدودها. أسوار من العتمة وتفسيرات مغلوطة أو متعمدة لبقاء الحال على ما هو عليه. بعد اللقاء مع رئيسة الوزراء الشابة وزميلاتها فى قيادة فنلنده تعود الواحدة منا إلى الواقع، بعض الرسائل والحملات لفك أسر «المعلقات» من نساء البحرين مثلا وغيرهن كثر كثر وأخريات سجينات لأنهن رفضن عنف أزواجهن أو تحملن المسئوليات كاملة فدفعن أثمانا باهظة. وأخريات يقال لهن أن من لا تستطيع التوفيق بين عملها ومهماتها الأساسية فى الحياة، حسب قولهم، فعليها أن تضحى. نساء أوطاننا يرضعن دورهن حتى المتمردة منهن مطلوب منها أن تضحى فيما يتربع الرجال فى المقاهى المكتظة يمضون أوقات فراغ دائمة!!
***
تقول تلك الشابة الجالسة بقربى «حسره علينا حتى بعد شهاداتى وخبرتى ما زالوا يقولون هذه الوظيفة لا تناسب النساء» وووكثير من الحواجز. فيما هناك أوطان أثبتت أن قيادة المرأة للوطن ربما هى خلاص له وقد تكون خلاصه الوحيد!!! وتمضى وهى تحدث نفسها أو كأنها تفعل ذلك: الله يطعم كل امرأة فى وطنى بنتى أو حفيدتى إن لم يكن أنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved