فى الذكرى 49 لحرب أكتوبر.. بين السويس وستالينجراد.. ملحمة بطولية سجلها التاريخ

أيمن النحراوى
أيمن النحراوى

آخر تحديث: الإثنين 3 أكتوبر 2022 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

يسجل التاريخ المعاصر ملحمتين خالدتين فى الصمود لمدينتين، الأولى هى ستالينجراد التى كانت إحدى نقاط التحول الحاسمة فى مجريات الحرب العالمية بصمودها فى مواجهة القوات الألمانية، والمدينة الثانية هى السويس، بصمودها فى مواجهة القوات الإسرائيلية.
فبعد صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فى 22 أكتوبر 1973 حاول العدو الإسرائيلى استغلال القرار لتحقيق أى مكاسب عسكرية وإعلامية بعد هزيمته النكراء، فقامت طائراته فى أعقاب صدور القرار بغارات وحشية بالقنابل الثقيلة على السويس والأدبية وشركات البترول والنصر للأسمدة، ثم ضرب العدو حصارا خانقا على المدينة برا وبحرا، وعمد إلى ترويع الأهالى وحملهم على الاستسلام، فقطع ترعة المياه العذبة عن المدينة، ودمر شبكة الكهرباء والهاتف، وركزت مدفعيته قصفها العنيف على الأحياء السكنية.
وفى الخامسة والنصف فجرا تقدم لواء مدرع إسرائيلى قوامه 110 دبابات نحو المدينة، وتقدمت كتيبة دبابات وسرية مشاة ميكانيكية نحو منطقة الجناين المدخل الشمالى للمدينة بقيادة الجنرال أبراهام آدان وتقدمت حتى منطقة المثلث وهى الحدود الشرقية للمدينة، واتجهت مجموعة أخرى إلى جنوب غرب المدينة نحو الزيتية ومعامل تكرير البترول ومنطقة الهويس، بينما بدأ باقى اللواء المدرع فى التحرك نحو قلب المدينة، ثم أعلن العدو الإسرائيلى على العالم كذبا أنه استولى على المدينة، ولجأ لإلقاء المنشورات التى ادعى فيها كذبا سقوط المدينة وتمكنه من إحكام الحصار على الجيش الثالث، ودعا المدينة للاستسلام.
فى ذات الوقت قامت الفرقة 19 مشاة بقيادة العميد أ.ح يوسف عفيفى بإعادة توزيع قوات الفرقة لاحتواء هجوم العدو، وتم احتلال السواتر الترابية وتوجيه المدفعية لتغطية قطاعات غرب القناة، وإرسال سريتى قنص دبابات نجحتا فى احتلال خط النيران على بعد 8 كم شمال السويس لمواجهة دبابات العدو المتقدمة على طريق المعاهدة شرق مطار الشلوفة.
وفوجئ العدو الإسرائيلى عند منطقة المثلث بنيران قوية من مدفعية الفرقة 19 دمرت له ثمانى دبابات وتشتت الباقون، وفى ذات الوقت كانت توجد 10 دبابات معادية تعمل كمفرزة جانبية لتأمين اللواء الإسرائيلى المدرع، فحاولت مهاجمة إحدى قواعد الصواريخ المضادة للطائرات شرق مطار الشلوفة، فاشتبكت معها سرية الصواريخ المصرية المضادة للدبابات ودمرت 4 دبابات إسرائيلية وهربت بقية الدبابات.
وصباح 24 أكتوبر حاول العدو التقدم بعشر دبابات على طريق المعاهدة، وخصص 15 دبابة أخرى للتقدم فى اتجاه الشرق، فتصدت لها السرية المصرية من جديد وتمكنت من تدمير 9 دبابات إسرائيلية، بعد ذلك أعادت السرية المصرية تمركزها عند منطقة الأربعين والمثلث، ولما حاول العدو التسلل للمدينة بدبابتين و4 عربات مجنزرة قام رجال السرية وقوات الدفاع الشعبى ورجال منظمة سيناء بالتصدى لهم، وتحولت المنطقة إلى كتلة من النيران أسفرت عن تدمير قوات العدو بكاملها.
فعاود العدو هجومه بـ 26 دبابة وسرية مشاة ميكانيكى، 9 عربات مجنزرة ودعمها بقصف جوى عنيف استمر 6 ساعات لتغطية تقدمها، فتصدت مجموعة مدفعية الفرقة 19 لها وكبدتها خسائر جسيمة، وكرد فعل حولت الطائرات الإسرائيلية هجومها إلى قوات الفرقة المتمركزة شرق القناة، لكن مجموعة المدفعية نجحت فى الحفاظ على مواقعها لحماية ظهر الفرقة 19 والحفاظ على المنفذ الذى يصل بين قوات رأس كوبرى الجيش الثالث الميدانى ومدينة السويس.
• • •
وفى اليوم التالى داخل المدينة، عندما نادى المؤذن لصلاة الفجر اجتمع الأهالى فى المساجد، وفى مسجد الشهداء قام الشيخ حافظ سلامة الأب الروحى للمقاومة الشعبية بالمدينة بإمامة المصلين وحثهم على الصمود، وفى ذات اللحظات كانت الطائرات الإسرائيلية تلقى بحممها على المدينة فى غارات مسعورة استمرت منذ الفجر لمدة ثلاث ساعات متواصلة، وفى ظل القصف العنيف تمكنت أعداد من الدبابات من التسلل إلى داخل المدينة، فتولت أمرها عناصر المقاومة الشعبية بالكمائن عند مبنى المحافظة ومحطة السكة الحديد ومزلقان البراجيلى وقسم شرطة الأربعين، وقامت قوات الصاعقة ببث الألغام المضادة للدبابات وأحدثت فعلها عندما أصيبت أول دبابة فى قول دبابات العدو المتجه إلى بور توفيق، فأجبرته على التراجع.
وفى داخل المدينة ما أن وصل قول العدو الذى يبلغ 24 دبابة نحو الكمين المتمركز بين سينما مصر وسينما رويال، حتى أصيبت أول دبابة منه بقذيفة آر بى جى وقتل قائدها، ثم أطلقت قذيفة أخرى على ناقلة الجنود المدرعة التى تحمل المظليين الإسرائيليين والتى كانت خلف الدبابة الأولى، فاشتعلت فيها النيران، فأطلقت الدبابة الثانية النيران على المنزل الموجود به الكمين، فدمرته واستشهد من فيه من المجاهدين.
ثم وصلت دبابات العدو ومصفحاته إلى الكمين بعد قسم شرطة الأربعين، فتلقت أولى دباباته قذيفة أصابت برج الدبابة وقتلت قائدها، عندها حركت الدبابة مدفعها صوب الكمين لكن إرادة الله شاءت أن ينحنى مدفع الدبابة نحو الأسفل، فتنطلق قذيفة الدبابة لتنفجر من تحتها، فيحاول من بداخلها الهرب، لكنهم يهربون إلى حتفهم المحتوم، على أيدى أفراد الكمين الذين قنصوهم عن آخرهم.
ويتوجه بعد ذلك قائد الكمين البطل إبراهيم سليمان إلى مصفحة توباز استولى عليها العدو الإسرائيلى واستخدموها فى محاولة لإيهام أهل المدينة أنهم من أفراد الجيش المصرى، فأطلق عليها قذيفة آر بى جى فأصابها وهرب طاقمها وأفراد أطقم بقية الدبابات إلى داخل قسم الأربعين، فتمكن المظليون الإسرائيليون من اقتحام القسم وقتل شرطيين وأسر ثمانية أفراد ممن كانوا بالداخل.
وأخذ الجنود الإسرائيليون وعددهم 23 من داخل القسم فى إرسال استغاثات لاسلكية متوالية يطلبون النجدة، فحاول العدو إرسال سرية من ست دبابات، فاشتبك معها كمين مزلقان البراجيلى، وتمكن أبطال الكمين من تدمير الدبابات الستة وقتل قائدها وهو برتبة عقيد، أما من فر منهم إلى الأزقة والمنازل المحيطة فقد تولى أمره المقاومون الأبطال.
واكتملت الملحمة البطولية بقدوم خمس سيارات للعدو الإسرائيلى محملة بالمؤن والذخيرة خلف تلك الدبابات، وما أن شاهد أفرادها مصير الدبابات ومن فيها، حتى تركوا سياراتهم ولاذوا بالفرار، وسرعان ما لقوا مصرعهم، وقام البطلان محمود عواد ومحمود طه بإحراق المدرعات الإسرائيلية خشية أن يتسلل إليها العدو.
ولاحقا تمكن عدد من الجنود ورجال المقاومة الشعبية من اقتحام مدخل القسم، فحدث تبادل إطلاق نار وأصيب قائد العدو المتمركز داخل القسم فى ساقه وتوقف بعدها الهجوم، ثم عاد هجوم أبطال المقاومة من جديد وحدث تبادل إطلاق نيران كثيف بين الجانبين، وتعرض الإسرائيليون داخل مبنى القسم لهجمات بقذائف آر بى جى والقنابل اليدوية واشتعلت النيران فى الطابق الثانى من القسم، وفى محاولتهم الاستيلاء على القسم سقط ثمانية رجال شرطة مصريين شهداء، لكن حصار المقاومة للقسم تواصل، وحاول العدو الإسرائيلى الوصول لقسم الأربعين وفك الحصار عن جنوده، ولكن جميع محاولاته فشلت.
• • •
برغم كل ما سبق قرر أبطال المقاومة الشعبية من جديد معاودة اقتحام القسم، فتقدم البطل إبراهيم سليمان، محاولا القفز من فوق سور القسم، لكن رصاصة غادرة من جندى إسرائيلى أسقطته شهيدا ولاحقا تمكن الفدائيون من استعادة جثمانه تحت وابل من القصف العنيف، ثم حاول البطلان أشرف عبدالدايم وفايز حافظ، اقتحام القسم من الأمام وبعد أن تحركا تحت ساتر من النيران فتح قناصة العدو النيران عليهما ليسقط أشرف شهيدا على سلم القسم، ويسقط فايز شهيدا بجوار الخندق داخل القسم، فواصلت المقاومة إمطار العدو داخل القسم بالقنابل والقذائف لإنهاكه واستنزافه.
وقد أجبرت هذه المقاومة الباسلة القيادة الجنوبية لقوات العدو على سرعة إنقاذ الجرحى وإخلاء القتلى والانسحاب من السويس تحت جنح الظلام سيرا على الأقدام تحت غطاء من القصف المدفعى، وخرج العدو الإسرائيلى منسحبا من داخل المدينة يجر أذيال الخيبة والعار، بعد أن تكبد خسائر فادحة؛ 21 دبابة مدمرة من أصل 24، و18 مدرعة مدمرة من أصل 24، وما يزيد على 300 جندى إسرائيلى من القتلى و300 آخرين من الجرحى، وتضمنت الكشوف التى قدمتها إسرائيل لهيئة الصليب الأحمر عن عدد قتلاها المفقودين 68 ضابطا و23 طيارا و373 جنديا.
واستشهد من رجال السويس وأبطال المقاومة الشعبية نحو 80 بطلا قدموا بأرواحهم الطاهرة أعظم وأسمى الفداء والتضحية فى سبيل الوطن والشرف والكرامة والمجد.
ما كتب عن السويس الباسلة هو قليل من كثير، وما كتب وسيكتب عن المعدن الحقيقى للشعب المصرى وإن أفاض فلن يوفيه حق قدره، كل عام والشعب المصرى بخير والجيش المصرى بخير هم خير أجناد الأرض وهم فى رباط وأهاليهم إلى يوم القيامة.

خبير اقتصاديات النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved