اللبوس يقتل

محمد علاء الدين
محمد علاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 3 نوفمبر 2014 - 10:55 ص بتوقيت القاهرة

منذ أسبوع ذكرت الجرائد أنه قد تم العثور على قطار خرج ولم يعد.

كانت آخر رحلة للقطار قد انطلقت من مدينة الداخلة وقرية باريس بالوادى الجديد منذ عام 2006، قبل أن يقوم اللصوص بقطع خطوط السكة الحديد عليه وسرقة القضبان، ثم تركوه فى الصحراء الغربية بعد أن قضوا وطرهم منه.

العنصر الغائب هنا: وأين ذهب السائق، أين ذهب الركاب؟ بالنسبة للدولة المصرية، فهذه النقطة غير مهمة علي العموم.

النقطة الثانية هي كيف توقفت كل حركة القطارات فوق القضبان المسروقة، ولم يهتم أحد، رغم أساطير البيروقراطية المصرية.

النقطة الثالثة كيف لم يتتبع الموظفون خطوط القطار، التي لا شك هي محددة لديهم في الخرائط، ليجدوا القطار؟ وفي هذه الأثناء تحذر وزارة الصحة من لبوس قاتل. لكن، على العموم، كل هذا هو غير مهم. وما هو المهم؟ المهم أن تدفع فاتورة الكهرباء طبعا.

في محطة مانشستر للقطارات، وهي محطة مركزية في الشمال الإنجليزي، كنت بلا سجائر، وكنت قد مللت من لف سجائر الجولدن فرجينيا رغم حلاوة نكهتها، فقصدت كشكًا بالمحطة وطلبت علبة من المارلبورو الأحمر.

قلت كيس الفرجينيا-آنذاك- يكلفني حوالي ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه، فلا ضير من دفع خمسة جنيهات في عشرين من السجائر العادية. فاجأني الرجل أنه يبيع المارلبورو بسبعة جنيهات، ولماذا؟ هذه محطة القطارات، محطة قطارات، رغم كل شيء، لن يتوه منها قطار.

في برلين، من الأفضل ألا تشتري من المتاجر الصغيرة التي تسهر في الليل، والتي يديرها عادة المهاجرون الأتراك، لأنه سيأخذ منك ثمنًا أعلى: هم سهرانين في عمق الليل، ولذلك يستحقون سعرًا خاصًا.

في عموم أوروبا يستحسن أن تبتعد عن محال البقالة وتلجأ للسوبر ماركت، محال البقالة أغلى، والكل يعلم ذلك. هناك تنهال عروض التوفير أو الخصومات، مثل مترو باريس الذي يمكنك شراء كمية معلومة من التذاكر مقابل تخفيض، أو التخفيضات التي تلجأ لها أسواق الآحاد عند نهاية اليوم، أو المبادرة بشراء تذاكر سفرك مبكرًا فتكسب بذلك يوروهات أو جنيهات قليلة أو كثيرة حتى.

هذه هي قواعد الرأسمالية، كل وقت وله سعر، وكل مكان وله سعر، أحببت ذلك أم لم تحبه. لكن، وفعلا، أنت تحصل علي ما دفعت ثمنه وبجودة عالية، والسعر الزائد هنا في حالة الطعام أو الشراب هو جنيهان في أقصى الحالات، وفي النهاية هناك قوانين ضد الاحتكار، وأنت تعلم قواعد اللعبة، وأنت من اشتريت السلعة بنفسك.

قارن ذلك بجهة محتكرة لسلعة حيوية ما، وأنت مجبر على الدفع، والسعر يأتي لك جزافًا وحسب مزاج الجهة. قارن هذا بالدولة التي تبيعنا الكهرباء التي لم نستهلكها بسعر يتعدى ضعف الضعف، وستدفع يعني ستدفع. لا يوجد تعويض حتى عن الساعات الطويلة التي كانت تنقطع فيها الكهرباء، بل إنك مطالب بدفع المزيد، و«كله علشان البلد». الجباية الوطنية.

ولكنهم ضيعوا القطار؟ بالطبع هذه أسئلة غير مهمة. بل يمكن لأحد كتاب النظام الحالي- ومثل هذه الأشياء غير غريبة عنهم- أن يستشهد بأن القطار فقد في زمان مبارك، وتم إيجاده في زمن السيسي: مصر التي عادت إلى نفسها يا ريس.

أو أن نجد أحد ديناصورات المعارضة الناصرية يتساءل عن قطار الوطن الذي تاه، والحب في زمن الكوليرا: مصر التي راحت يا مواطن. ومن رأيي أنا أن مصر تعاني، طبعا. احترس من اللبوس القاتل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved