أسئلة جوهرية طرحتها علينا وعلى العالم الحملة الانتخابية

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 3 نوفمبر 2016 - 11:20 ص بتوقيت القاهرة

سبعة أيام وتجد الولايات المتحدة نفسها عند مفترق طرق. لن يتوقف الأمريكيون بعد اليوم السابع ليسألوا أنفسهم ماذا هم فاعلون بالرئيس الجديد أو ماذا هو أو هى كرئيس فاعل بهم خلال السنوات الأربع أو الثمانى القادمة. أتصور أن أسئلة أهم من هذا السؤال أو ذاك سوف تفرض نفسها ليس فقط على الأمريكيين ولكن أيضا علينا وعلى العالم بأسره. لم تكن الحملة الانتخابية بأى مقياس حملة عادية. أقل ما أستطيع قوله هو أنها كانت حملة مشحونة بأفكار جريئة مشتقة من خارج سياق حملة تجرى لانتخاب رئيس للولايات المتحدة وعلامة فارقة فى مسلسل التطور الاجتماعى ــ الثقافى فى أمريكا بخاصة والغرب عامة، وكانت فى الوقت نفسه، فاتحة عصر لن يكمل ما قبله أو يستطرد فيه إلا بقدر استهانته به وتحقيره لكثير من رموزه وانجازاته. أوجز الوقت وأختصر الكلام وأذهب مباشرة إلى الأسئلة التى بدأت بالإشارة إلى أنها أهم من سؤال تقليدى تسأله الشعوب «صباحية» إعلان فوز مرشح على آخر وانتقال المنتصر إلى البيت الأبيض حيث تنتظره ثمار الحملة الانتخابية.

السؤال الأول: هل بدأت تصدق توقعات أو نبوءة قارئى المستقبل الذين توقعوا أن يشهد القرن الجديد اهتماما أقل بالمسائل الاقتصادية واهتماما أكبر بالشئون الاجتماعية – الثقافية. ما أعنيه هو أن الحملة فاجأتنا وفاجأت كثيرين غيرنا حين كشفت لنا عن تركيز نسبة غير بسيطة من الناخبين على قضايا العرق واللون والدين والطائفة والهجرة والأصل الاجتماعى. كان غريبا علينا أن نرى مشكلات الهجرة وقد صارت فى مقدمة انشغالات الأمريكيين، وبالمناسبة كذلك انشغالات الأوروبيين. كان غريبا أنه بعد سبعين عاما من إعلان نهاية التمييز العنصرى فى جميع ولايات أمريكا نعود لنرى ألوف الناس ترحب بخطاب السيد ترامب العنصرى ولا تهتم بخلو خطابه الانتخابى من إشارة جادة إلى مستقبل الرأسمالية والنظام الاقتصادى الأمريكى. لم نلاحظ اهتماما غير عادى من المرشح الديمقراطى والأمريكى على حد سواء بالقضية الاقتصادية فى وقت لم تكد أمريكا تتجاوز بشكل حاسم أزمتها التى اقتربت من عامها العاشر. أكثر الاهتمام تشتت بين قضايا الوجود الإسلامى فى الولايات المتحدة وهجرة المكسيكيين ولجوء السوريين والتمويل الأجنبى لحملة هيلارى كلينتون وتاريخ النساء فى حياة دونالد ترامب. تكمن الخطورة، أو الأهمية، فى أن تطورا مماثلا يحدث فى القارة الأوروبية وفى روسيا فلاديمير بوتين وفى معظم دول الشرق الأوسط. فى كل هذه المواقع تهتم نسب عالية من الرأى المسيس بقضايا ثقافية – اجتماعية على حساب الاهتمام بالقضية الاقتصادية.

السؤال الثانى: هل كان وصول امرأة إلى الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية الأمريكية دافعا لدعم التيار الذى يعتقد أن المرأة حصلت على نصيب من الحقوق أخل بمبدأ المساواة بين الجنسين؟ حدث بالفعل أن ارتفعت أصوات نساء يطالبن بمناصب فى قيادة الجيوش البرية والبحرية والجوية. بل راح آخرون وأخريات يرفعون شعار الحاجة إلى عقد «المساواة التاريخية»، بمعنى تعويض النساء عما فاتهن عبر القرون من امتيازات انتزعها الرجال انتزاعا. قيل مثلا لماذا لا يمنع الرجال من ممارسة حق التصويت لمدة مائة عام كقسط مناسب فى حملة تعويض النساء. فى الوقت نفسه راح رجال من المدافعين عن حقوق الإنسان يقترحون قصر التعيين لحرس السجون على النساء لما عرف عنهن من رقى وتحضر ونعومة. يستند هؤلاء وغيرهم إلى حقيقة، لها مبرراتها، وهى أن النساء متفوقات على الذكور فى مختلف مراحل الدراسة. هنا أيضا كما فى السؤال الأول تنبع الخطورة من الخلط الشديد فى أسبقيات القضايا المجتمعية وقلة الحرص على المناقشة بالجدية اللازمة، وكلاهما، الخلط وقلة الحرص، من علامات مدرسة ترامب، وهى المدرسة الشعبوية بامتياز. المثير فى الأمر أن المرشح قاد بنفسه الحملة ضد النساء وما حققن من إنجازات بل وتعمد إهانتهن. لذلك أظن أن ميشيل أوباما عندما خطبت فى الناس ضده كانت تنطق بلسان امرأة ملتهبة بالغضب نتيجة إصابة مباشرة فى صميم وجوهر ما تؤمن به.

السؤال الثالث: لماذا بدت الحملة الانتخابية فى نظر البعض إحدى الخطوات الأخيرة فى مسيرة سقوط اليسار فى الغرب خاصة والعالم بشكل عام؟ لا شك أن سقوط اليسار أو انحداره سابق على الحملة الانتخابية، فهو مرتبط بشكل وثيق بانفراط الاتحاد السوفيتى والشيوعية وبشكل لا يقل أهمية بما أطلق عليه صعود الإنسان الرقمى، وأقصد به الإنسان الجديد الذى نشأ وتدرب على أساليب التكنولوجيا الإلكترونية والرقمية. غالبية أبناء هذا الجيل مبرمجون على ذهنية برجماتية وعملياتية ابتعدت بالكثيرين منهم عن دهاليز وقضايا التفكير الأيديولوجى والتقدمى والصراعات الطبقية ونقد نظريات الهيمنة والإمبريالية. الأمر المؤكد أيضا هو أن هذه الحملة تسببت فى التعجيل بالسقوط حيث إنها أبرزت بشكل واضح خطورة الدور التخريبى الذى مارسته القوى الشعبوية بقيادة ترامب وأمثاله. الشىء نفسه حادث فى أوروبا، حدث خلال حملة البريكسيت حين خرجت قوى الشعبوية من كلا اليمين واليسار تعبث بالأنماط الديمقراطية فى التعامل مع الأحداث المصيرية. إلى جانب هذا يجب ألا نتجاهل حقيقة أن اليسار الديمقراطى ممثلا فى أحزابه الرئيسة ورموزه القائدة تخلى عن مبادئه وراح يحتضن أو يسعى لأحضان القوى المصرفية وقوى الأعمال تاركا الساحة لتملأها تيارات وتنظيمات وقيادات شعبوية. حدث هذا ويحدث فى فرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا وحدث لسيريزا فى اليونان ولفلول الشيوعية فى روسيا ولتيارات عديدة فى الشرق الأوسط كما فى مصر وفى آسيا كما فى الهند وتايلاند والفلبين. أما فى أمريكا فالخيار خلال السنوات القادمة سيكون بين الشعبوية التى أطلقها ترامب والنخبوية التى قادت أمريكا منذ الاستقلال وتسعى لإنجاح ربيبتها هيلارى، ولن يكون الخيار سهلا وقد لا يسلك مسالك العمل المدنى والسلمى.

•••

يقول إعلام النخبة الحاكمة فى أمريكا إن ترامب والشعبويين أهانوا أمريكا منذ أن بدأوا يرددون عبارة «فلنجعلها عظيمة مرة أخرى». هؤلاء يتركون انطباعا لدى الشعب الأمريكى وخصوم أمريكا فى الخارج بأن الولايات المتحدة دولة «أفلست وفى طريقها للانهيار».. دولة جفت إن صح التعبير. سمعنا فى مصر من يردد هذه العبارة عند الحديث عن استعادة عظمة مصر وأمجادها، ولم يفتنى أن أنبه منذ البداية إلى خطورتها لأنها تحمل فى ثناياها معنى الإهانة وتسعى لتحقير الشعب المصرى الذى يحملونه مسئولية انحدار مصر. يرد الشعبويون على لسان ترامب بالقول بأن أمريكا أصبحت دولة فقيرة، دولة كدول العالم الثالث فلنجعلها عظيمة مرة أخرى. يقول هذا الكلام مرشح للرئاسة الأمريكية لا يحترم الدستور بل لا يخفى احتقاره له، هى المرة الأولى فى تاريخ أمريكا التى يصل فيها إلى مرحلة الترشيح لمنصب الرئاسة شخص لا يؤمن بالديمقراطية ويستهين بدستور البلاد.

•••

أى مستقبل ينتظر أمريكا برئيس شعبوى يكره الديمقراطية وينوى اعتقال قادة المعارضة، وأى مستقبل ينتظر أمريكا برئاسة هيلارى إذا كانت المعارضة لها شعبوية ويقودها دونالد ترامب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved