الكونجرس.. انتخابات منسية إعلاميا

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 4 نوفمبر 2016 - 4:03 م بتوقيت القاهرة

تعتبر انتخابات الكونجرس الأمريكى مهمة بقدر قد لا يقل عن أهمية الانتخابات الرئاسية هذا العام. وعندما يتوجه الناخبون الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء المقبل، لن يقوموا بالاقتراع لانتخاب رئيس للبلاد فحسب، بل سيختارون أيضا 435 عضوا فى مجلس النواب، كما سيختارون ثلث أعضاء مجلس الشيوخ المائة. وعلى الرغم من تركيز الاهتمام على الانتخابات الرئاسية، تظل انتخابات الكونجرس مهمة بحيث تسفر نتائجها عن مجلس تشريعى له أن يعوق أو يدعم سياسات الرئيس القادم.

وقد أرسى الدستور الأمريكى نظاما منح فيه سلطات قوية للسلطات التنفيذية والتشريعية، وجعلهما يتشاركان فى صنع وتنفيذ القرار من خلال مبدأ الفصل بين السلطات. ويدعم مبدأ الفصل بين السلطات حرية المواطنين الكاملة فى أن ينتخبوا رئيسا من الحزب الديمقراطى على سبيل المثال، وأن يصوتوا لصالح سيناتور من الحزب الجمهورى، وأن يختاروا نائبا لمجلس النواب قد لا ينتمى لأى من الحزبين. وهذا الأمر ليس أمرا محتملا فحسب، بل وإنه من الوارد دائما سيطرة حزب سياسى على البيت الأبيض ويقوم حزب آخر بالسيطرة على مجلسى الكونجرس أو أحدهما. ويطلق على مثل هذا الوضع صفة «الحكومة المنقسمة»، ويضيف للانقسام أن أعضاء مجلسى النواب والشيوخ لا يعتمدون على أحزابهم من أجل تأمين إعادة انتخابهم، وهم فى العادة يعبرون عن استقلاليتهم عن طريق التصويت بما يتناسب مع مصالح ناخبيهم حتى ولو تعارضت تلك المصالح مع مواقف حزبهم.

***

يتألف الكونجرس من مجلسين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ. أنشئ المجلس الأول (مجلس النواب) ليكون الهيئة الأقرب إلى المواطنين، ولينتخب من الشعب مباشرة فى دوائر صغيرة نسبيا تحدد حسب أعداد السكان عبر انتخابات متكررة (كل سنتين). والآن لدى كاليفورنيا ــ الولاية الأكثر عددا سكانيا ــ 53 مقعدا فى مجلس النواب. أما الولايات السبع الأقل سكانا مثل مونتانا فلدى كل منها مقعد واحد فقط.

أما مجلس الشيوخ فصمم بطريقة تعكس مصالح الولايات بحيث تتمثل كل ولاية، بقطع النظر عن عدد سكانها، بمقعدين فى هذا المجلس. وتكون مدة ولاية عضو مجلس الشيوخ ست سنوات، ويتدرج انتخاب ثلث أعضاء هذا المجلس كل سنتين. وفى الأصل كان يتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الممثلين لكل ولاية بواسطة مشرعى كل ولاية. إلا أنه ابتداء من العام 1913، بات انتخابهم يتم من الشعب مباشرة. ولقد اعتقد مؤسسو أمريكا بداية أنه من الأفضل إبعاد الشيوخ عن دائرة عواطف المواطنين لأنهم كانوا ينتخبون بطريقة غير مباشرة ولفترة ولاية أطول، إلا أنهم ينتخبون الآن بصورة مباشرة من مواطنى ولاياتهم.

ثمة ثلاثة عناصر أساسية تقرر مصير انتخابات الكونجرس، أولها التوجهات الحزبية السائدة فى الدائرة الانتخابية. وثانيها وجود أو غياب مرشح يشغل حاليا المنصب ذاته الذى يترشح إليه. وثالثها طبيعة القضايا التى على أساسها سيصوت الناخب الأمريكى، وهى التى تكشفها استطلاعات الرأى العام.

المنافسة للسيطرة على الكونجرس كانت شديدة خلال العقود الماضية، إلا أن هذه المنافسة لا تكون شديدة فى كل دائرة انتخابية وفى كل ولاية من الولايات. فبعض الدوائر وحتى بعض الولايات تميل ميلا كبيرا نحو هذا الحزب أو ذاك. فعلى سبيل المثال ــ غالبا ــ ما يفوز الديمقراطيون فى أوريجون بينما يفوز الجمهوريون فى أوكلاهوما، وهذا لا يمنع حدوث بعض الاستثناءات على مر السنين.

ويمكن تفسير النتائج الانتخابية بوجود أو غياب مرشح يشغل المنصب ذاته المرشح له. ذلك أنه لمدة تزيد على ثلاثة عقود، فإن 95% من أعضاء مجلس النواب القائمين الذين سعوا لإعادة انتخابهم لمناصبهم، إنما استطاعوا الفوز بها من جديد. والشيوخ الذين سعوا لإعادة انتخابهم لمناصبهم غالبا ما نجحوا فى ذلك أيضا. وحتى فى الانتخابات التى يجرى فيها تبادل مقاعد كثيرة ما بين الحزبين، فإن نسبة حصول هذا التبادل تكون على أشدها فى المقاعد التى لا يترشح لها من جديد النواب الذين يشغلونها حاليا، كما نلاحظ تأثير هذه العوامل عندما ننظر إلى المرشحين المحتملين الساعين إلى نيل ترشيح الحزب لهم لعضوية مجلس الشيوخ. وعادة لو أن عضوا حاليا يسعى إلى إعادة انتخابه، فمن غير المرجح أن يلقى منافسة جادة، وقد يجد قادة الحزب المنافس صعوبة فى إيجاد مرشحين راغبين فى دخول حلبة المنافسة. وتنطبق جميع هذه العموميات على مجلس الشيوخ بدرجة أقل مما تنطبق على مجلس النواب لأن مقعد السيناتور طالما يعتبر أشد أهمية من مقعد النائب، كما لا يمكن التنبؤ مسبقا بنتائج الانتخابات مثل انتخابات مجلس النواب.

***

يشغل الجمهوريون حاليا أغلبية بالشيوخ مقدارها 54 عضوا مقابل 46 للديمقراطيين. ومن أصل 34 مقعدا فى مجلس الشيوخ سوف يعاد التنافس عليها الأسبوع المقبل، هناك 24 يشغلها جمهوريون، مقابل عشرة مقاعد فقط يشغلها الديمقراطيون. وإذا حصل الديمقراطيون على مكاسب بسيطة أعلى من 4 مقاعد تكون لهم الأغلبية داخل مجلس الشيوخ. ولن توافر أغلبية بسيطة لأى من الحزبين قوة كبيرة، إذ تقتضى قوانين مجلس الشيوخ وجود ستين صوتا لاتخاذ أى إجراء رئيسى، ومن المستبعد جدا أن يتمكن الديمقراطيون أو الجمهوريون من الاقتراب من هذا العدد. على الجانب الآخر، يشغل الجمهوريون 59 مقعدا فى مجلس النواب أكثر من الديمقراطيين (للجمهوريين 247 مقعدا مقابل 188 للديمقراطيين)، وستشهد هذه الانتخابات منافسة ساخنة. ويبدو أن الجمهوريين سيتمتعون باستمرار أغلبيتهم فى مجلس النواب مع تقليص الديمقراطيين للفجوة بينهم وبين الجمهوريين.

***

وتأسيسا على نتائج انتخابات الكونجرس القادمة، فإنه لو تم انتخاب المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، فإنها قد تواجه معارضة قوية من مجلس شيوخ لا يمتلك فيه الديمقراطيون الأغلبية، ناهيك عن صعوبة الوصل لأغلبية 60 صوتا. وستظل كلينتون تواجه معوقات مجلس النواب المقبل، والذى ينتظر أن يعوق الكثير من سياساتها ومبادراتها الداخلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved