بتاع كله

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 3 نوفمبر 2018 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

 في حديث للعالم العظيم الدكتور أحمد زكي عاكف (والذي تكلمنا عنه في إحدي مقالاتنا السابقة) مع الصحفي العظيم أيضا محمود عوض يقول الدكتور أحمد زكي: "العلم المفرط في تخصصه لا ينتج عالمًا إنسانيًا.. إن شأن مثل هذا العلم كشأن الخراط أو النجار مثلا الذي يحسن الخراطة والنجارة إحسانًا كاملاً لا يجاريه في ذلك أحد، لكنه إذا ترك هذا المجال لم يكن بعد ذلك شيئًا. إنما العلم الذي أعتبره علمًا هو الذي لايؤدي بمن يتخصص فيه إلى العزوف عن سائر أبواب المعرفة، إنه العلم الذي يجعل الرجل إنسانًا، وهو الذي يجعل له من الحياة معنى ويجعل له من الدنيا فلسفة".

هذه المقولة قد تؤحي من النظرة الأولى أنها تنهي عن التخصص وتشجع على الموسوعية في المعلومات على حساب العمق وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة خاصة عندما يأتي من عالم عظيم مثل الدكتور أحمد زكي، الكلمة المفتاح هنا هي: عالماً "إنسانياً"، أنت قد تكون متعمقاً جداً في تخصصك الدقيق ولا تعلم شيئاً عن ما يحدث خارجه، هنا يكون محركك الأساسي هو الفضول العلمي أو حب العلم أو حتى الرغبة في الحصول على جائزة كبرى ولكن إذا علمت كيف يتصل تخصصك الدقيق هذا بالتخصص العام الذي تعمل فيه وكيف يتصل ويؤثر هذا التخصص العام على التخصصات الأخرى وكيف يؤثر كل ذلك على حياة الناس إجتماعياً وسياسياً ونفسياً وصحياً فأنت ترى الصورة الكبيرة وهذا يجعلك تعلم أن ما تفعله له تأثير إيجابي على الإنسانية كلها بل وقد ترى أيضاً بنور البصيرة التأثير السلبي الذي قد يحدث فلكل إكتشاف علمي محاسنة وسؤاته.

هذه الصورة الكلية ليست ثابتة فكما يؤثر تخصصك على التخصصات الأخرى يتأثر هو بها وقد يكون هناك عامل إجتماعي أو سياسي السبب في تشجيعك على العمل في تخصص دقيق آخر غير الذي تعمل فيه حالياً ولكن في نفس تخصصك العام وقد ترى من خبر في جريدة أنه عليك البحث في موضوع علمي محدد فالعالم شبكة كبيرة.

 

يذكرني ذلك بزيارة قمت بها في الصيف الماضي إلى فرنسا حيث عاش ليوناردو دافنشي آخر ثلاث سنوات من حياته في قرية صغيرة قرب نهر الإيفوار، وإذ أخذت أتأمل المكان الذي كان يعمل فيه (كما هو موضح في الصورة الأولى وهي من تصوير كاتب السطور) والمكان الذي كان يقرأ ويدرس فيه (الصورة الثانية وهي أيضاً من تصوير كاتب هذه السطور) سترى عالماً مهتماً بالهندسة والميكانيكا والتشريح والكثير من الأشياء الأخرى التي قد لا يسمع عنها الكثيرون الذين لا يعرفون عن دافنشي غير أنه رسم لوحة الموناليزا ولكن هذا الرجل هو مثال للعالم الذي وصفه الدكتور أحمد زكي.

لكنك قد تتسائل كيف يمكن لشخص أن يجيد أو يتخصص في أشياء متباينة كهذه؟ هنا يجب أن نستمع إلى مقولة الدكتور محمد كامل حسين.   

 

يقول الدكتور والعالم العظيم محمد كامل حسين (والذي تحدثنا عنه أيضاً في مقال سابق) في مقال بعنوان "التفكير المستقيم" (والذي نشر في كتاب به مجموعة مقالات له بعنوان عام "متنوعات" نشر عام 1951 من مطبعة مصر): "واجب الجامعة الأول أن تجعل من شتى الدراسات سبلاً تؤدي كلها إلى غاية واحدة هي التفكير المستقيم" ... "التفكير الإنساني في أرقى مظاهره متشابه جداً أيا كان موضوع بحثه" ... "لي أكبر الأمل أن يكون تقويم التفكير نصب أعين المعلمين دائماً وغاية المتعلمين فهو جنة المرء حين تعصف به العواصف" ... التفكير المستقيم الذي يعنيه الدكتور هنا هو التفكير النقدي الموجه لكشف الغموض وهو يبدأ بالتفكير النقدي وينتهي (إذا أحسنت استخدامه وتنميته) بالبصيرة ثم بالحكمة.

 

 

 

حيث  أننا في هذا المقال ننهل من معين حكمة علمائنا الكبير فليس أفضل من أن ننهيه بمقولة للدكتور أحمد زكي في إفتتاحية مجلة العربي الكويتية الرائعة والتي كان الدكتور أحمد زكي من روادها ومنشئيها: "اقرأ كل شيء واسأل نفسك, عند كل مقال, هل انتفعت به في زيادة معرفة؟ في تحريك عاطفة؟ في ابتسامة تروّح عنك؟ وهل انتفعت به في نفسك؟ في جسمك؟ في أهلك؟ في حاضرك؟ في مستقبلك؟ في أمل من آمالك؟ وهل انتفعت به مواطنًا عربيًا حيثما كنت من سطح الأرض؟...إن هذا العدد الأول جيد, والعدد الثاني سيكون أجود, والعدد الثالث سيكون أكثر جودة, فكن معنا، نكن معك، والعود أحمد إن شاء الله"

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved