الدستور.. ودموع التماسيح

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 3 ديسمبر 2013 - 7:20 ص بتوقيت القاهرة

لن ننتظر طويلا، حتى ينصب تنظيم الإخوان حفلات الندب واللطم والنواح على الدستور الجديد، سيقولون فيه ما قال مالك فى الخمر، سيتناسون تماما كل مؤامراتهم الخبيثة لسرقة ثورة يناير والاستيلاء على كل مفاصل الدولة عندما كان رئيسهم المعزول فى الحكم، وسيتباكون بدموع التماسيح على الديمقراطية التى وأدها الدستور الجديد، وعلى حقوق الانسان التى تجاهلتها نصوصه، وعلى العدالة الاجتماعية التى أهدرتها بنوده.

بالقطع لم يكن الدستور الجديد الذى صدرت مسودته النهائية مساء أمس الأول، تعبيرا حقيقيا عن ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فقد جاء معبرا تماما عن توازن القوى فى المشهد السياسى الحالى بكل تشوهاته، وعلى رأسها تعاظم دور المؤسسة العسكرية فى حياتنا السياسية، والضعف الفكرى والتنظيمى والجماهيرى لكل احزابنا السياسية، وعدم النضج السياسى للحركات الشبابية الثورية.

فالدستور الجديد اخفق تماما مثلما اخفق دستور الإخوان بالضبط فى وضع الجيش فى مكانه الطبيعى فى حياتنا السياسية، فالفصل الخامس من دستور الإخوان من المادة 193 حتى المادة 199 التى تتعلق بالأمن القومى وتعيين وزير الدفاع وتنظيم المحاكمات العسكرية للمدنيين لا تختلف إطلاقا عن مواد الجيش فى الدستور الجديد والتى جاءت فى فصله الرابع فى المادة 200 حتى 205، بدون أى تعديلات جوهرية، ففى الدستورين اعتراف بالأمر الواقع وبالدور الذى تلعبه المؤسسة العسكرية التى تتواجد خلف الستار فى حياتنا السياسية منذ ثورة يوليو وحتى الآن، وهو دور سيظل موجودا معنا طالما ان بناءنا الحزبى لم يسترد عافيته بعد، وهو الأمر الذى فرض على المؤسسة العسكرية أن تهب لمواجهة مافيا الإخوان فى 30 يونيو، بدلا من القوى والاحزاب السياسية المدنية، لتمنع حربا أهلية كانت ستأكل الأخضر واليابس فى مصر.

وعلى الصعيد الاقتصادى، فتح الدستور الجديد الباب أمام الدولة لكى تلعب دورا فى تحقيق العدالة الاجتماعية وضبط آليات السوق فى المادة 27 وما يليها، وهو ما غاب تماما عن دستور الإخوان الذى اكتفى بعبارات إنشائية، دون ان يأتى بأى ذكر لدور الدولة صراحة فى التدخل فى ميكانيزمات السوق، وهو الأمر الذى يفتح المجال واسعا أمام بارونات الإخوان لتوسيع نفوذهم الاقتصادى وتراكم رءوس أموالهم على حساب ملايين الفقراء فى مصر.

دستور الإخوان امتلأ بالعبارت المشوشة التى تخلط ما بين الدولة الدينية والدولة المدنية، فى المواد 1 و2 و219، التى تثير الارتباك ما بين الديمقراطية والشورى ودور الأزهر فى تعريف مبادئ ومقاصد الشريعة الإسلامية، وهو ما عالجه بحكمة الدستور الجديد، بدون فرض رأى فصيل سياسى معين على طريقة عبادتنا وفهمهنا للشريعة الإسلامية الغراء، وبدون فرض وصاية دينية من تنظيم الإخوان على ملايين المصريين.

وبعد أن تخلصنا من مافيا الإخوان، وعزلنا رئيسهم الكاذب والذى بدأ مهام عمله بكذبة كبيرة أخلف فيها وعوده بحل مشاكلنا المعيشية قى 100 يوم، فإن الدستور الجديد خطوة للأمام رغم كل الانتقادات التى توجه له، لكنه وحده سيكون حبرا على ورق مثل كل الدساتير التى سبقته، ما لم تبدأ السلطة الحالية فى مصر تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية بقوانين ملموسة على الأرض ينبغى أن تبدأ بإعادة الأمن وهيكلة وزارة الداخلية ليكون ولاء ضباطها الوحيد للقانون وحفظ الأمن وكفالة الحريات، وببرنامج عاجل يواجه نار الفقر التى تلتهم حياة ملايين المصريين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved