الإشهار شرط المشروع

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 3 ديسمبر 2015 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

لا أحد ينكر حاجة مصر إلى كل مشروع تنموى يمكن تنفيذه. ولا أحد ينكر أن أى مشروع وراءه جهد يستحق الشكر والإشادة، لكن الطريقة التى تتعامل بها الدولة مع المشروعات الاقتصادية الكبرى الآن تثير الخوف من تحول المشروع من جهد مشكور إلى جهد مهدور ومال ضائع، فى ظل سياج السرية والكتمان الذى تفرضه الحكومة على هذه المشروعات رغم تكاليفها الضخمة وتأثيراتها بعيدة المدى على الاقتصاد ككل.

ولا أحد ينكر أن «العين فلقت الحجر» وأن الحسد مذكور فى القرآن و«دارى على شمعتك تقيد» وكل تراثنا الداعى إلى فضائل السرية والكتمان. غير أن الأمر عندما يتعلق بالاقتصاد والمشروعات الكبرى يصبح الإشهار هو المطلوب. فالتخطيط للمشروعات الاقتصادية الكبرى وتنفيذها لا يمكن أن يتم تحت جنح الظلام خوفا من الأشرار، لأنها بطبيعتها تستهدف جذب الناس إلى المشاركة أو الاستثمار فيها، وبالتالى يجب الترويج لها قبل أن تبدأ حتى يضعها المستثمرون على جدول أعمالهم من البداية.

وقد رأينا كيف أننا بعد أن أنجزنا الازدواج الجزئى لقناة السويس خلال عام واحد بالاستعانة بشركات عالمية تولت تنفيذ نحو 75% من أعمال التكريك فى المشروع لإنجازه خلال هذه المدة الزمنية القصيرة، اكتشفنا أن الظروف التى يمر بها اقتصاد العالم حاليا ولعشر سنوات مقبلة لن تؤدى إلى أى زيادة حقيقية فى إيرادات القناة، وربما يحدث العكس وهو ما يعنى أنه كان من الأفضل إنجاز مشروع توسيع القناة خلال فترة زمنية أطول وبإمكانيات هيئة قناة السويس والشركات المصرية وتوفير مئات الملايين من الدولارات التى دفعناها لشركات الكراكات العالمية.

والدول الراشدة تعلن عن خططها الاستثمارية ومشروعاتها لسنوات خمس مقبلة على الأقل حتى يمكن للشركات العالمية وضع المشاركة فى هذه الخطط أو الاستثمار فى هذه الدول على أجندتها الاستثمارية التى لا تضعها بشكل سنوى. لذلك، فعندما نفاجئ العالم بالبدء فى مشروع ضخم مثل تنمية شرق التفريعة وتخصيص ملايين الأمتار لصناعة السيارات، فإننا نغامر بعدم إيجاد شركات عالمية مستعدة للاستثمار فى المشروع خلال السنوات المقبلة لأننا فاجأنا هذه الشركات بطرح المشروع وهى أعدت خططها الاستثمارية للسنوات الخمس وربما العشر المقبلة مثلا.

ثم إن السرية والكتمان يعنى تكليف الشركات المنفذة للمشروعات الضخمة بالأمر المباشر وهو ما قد يفقد الدولة فرصتها فى الحصول على أسعار تنافسية وربما جودة أعلى من خلال طرح هذه المشروعات فى مناقصات علنية تتسابق على الفوز بها الشركات. فالسرية تثير الشكوك حول «مشروعية المشروع» فى حين ان الإشهار يصبح شرطا لكى يكون «مشروعا».

ليس هذا فحسب، بل إن القول إن هذه المشروعات التى سيتحمل عبئها المالى وربما السياسى الشعب لسنوات طويلة خضعت للدراسة المستفيضة لا يكفى. فمن حقنا معرفة ما هى الجهة التى أجرت دراسة الجدوى؟ ومدى مصداقية وجدارة هذه الجهة؟ ومدى عمق ودقة هذه الدراسات؟ وذلك قبل أن نضرب أول فأس فى أرض المشروع.

وأخيرا، فربما السرية تكون واجبة عندما يتعلق الأمر بمشروعات عسكرية أو أمنية، أما أن يمتد سياج السرية ليشمل المشروعات الاقتصادية، فهذا منهج جديد فى الحكم والإدارة لا ندرى إن كان سيعبر بنا إلى بر الأمان أم يلقينا فى مستنقع ركود اقتصادى لا نخرج منه فى المستقبل المنظور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved