مكانة كاسترو لدى الأفارقة

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: السبت 3 ديسمبر 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا لـ«سيان جاكوبس» الكاتب الجنوب أفريقى المتخصص فى الشئون الدولية، حول المكانة العظيمة التى يحتلها الزعيم الكوبى «فيدل كاسترو» فى قلوب عدد كبير من الأفارقة، واعتباره بمثابة بطل قومى ومصدر إلهامهم خلال نضالهم من أجل الحصول على حرياتهم والتخلص من نظام التمييز العنصرى الذى عانت منه بلادهم على مدى سنوات طويلة.

يبدأ «جاكوبس» بالقول إنه إذا كانت أفريقيا بلدا فإن فيدل كاسترو هو واحد من أبطالها القوميين، وهذا قد يكون مفاجأة للكثيرين الغافلين عن تاريخ أفريقيا ما بعد الاستعمار ودور كاسترو فى ذلك وبشكل خاص فى إنهاء الأنظمة البيضاء والمستعمرات البرتغالية السابقة فى جنوب أفريقيا. ولكن فى الغرب لا يحبون كاسترو؛ حيث ينظرون إلى إرثه باعتباره استبداديا مع العلم بأن كوبا دولة ذات حزب واحد مع وجود حريات قليلة.

على الرغم من الإنجازات العديدة فى كوبا خلال عهد كاسترو، كالرعاية الصحية عالية الجودة ومتوسط العمر المرتفع ومحو أمية الأطفال، والتى وصلت إلى معدلات تتوازى فيها مع دول العالم الأول بل وفى أحيان عديدة تجاوزت الولايات المتحدة ــ فإن كوبا فى أوقات مختلفة أصبحت تشتهر بأزمة اقتصادية وقمع وسائل الإعلام ونفى وسجن المعارضين واضطهاد المثليين جنسيا والمصابين بالإيدز. وبالطبع كل هذه الممارسات كانت ضد الثورة ولابد من الاعتراف بذلك صراحة. ولكن التاريخ ينصف كاسترو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لكوبا وبخاصة فيما يتعلق بسياساتها فى القارة الأفريقية.

والمفارقة المثيرة للدهشة هنا أن عددا من الذين كانوا يرفضون ما يقوم به كاسترو وسياساته لم يجرءوا على الاعتراف بأخطاء حكوماتهم خلال فترات معينة من التاريخ وأن أنظمتهم فى أوقات عديدة دعمت العديد من الأنظمة الديكتاتورية بعدد من البلدان النامية.

***

بعد مواجهة الثورة الكوبية للديكتاتورية الفاسدة التى ترعاها الولايات المتحدة خلال عام 1959، عملت كوبا تحت قيادة كاسترو ببذل العمل والمجهودات من أجل تقوية علاقاتها مع جيرانها وتأسيس سياسة خارجية مستقلة للبلاد بعيدا عن الولايات المتحدة وبعيدا أيضا عن حليفها المعتاد «الاتحاد السوفيتى»، وجاءت أفريقيا كبُعد مركزى فى هذه السياسة الخارجية الجديدة.

يقول «جاكوبس»: إنه بالنسبة إليه وإلى جيله فإن كاسترو دخل قلوبهم باعتباره بطلا ساهم فى تحريرهم، وإنه لم يكن فقط يدافع عن قضايا مجردة بل كان يقاتل من أجلهم.

وفيما يتعلق بأهداف السياسة الخارجية لكاسترو فقد تمركزت حول تعزيز السياسة الثورية فى الخارج وإنهاء الاستعمار، وشمل ذلك إرسال قوات للقتال فى الحروب التى جرت ضد القوى الاستعمارية نفسها أو وكلائها فى القارة الأفريقية، وكذلك قامت كوبا بدعم الحركات الثورية داخل القارة بكل ما تحتاج إليه؛ سواء الدعم اللوجيستى أو التقنى. وتأكيدا لذلك فقد أرسلت كوبا إلى القارة الأفريقية، وبخاصة من يعانون ويلات الحروب، عشرات الآلاف من الكوبيين فى أغلب التخصصات؛ كالأطباء والممرضين والمتخصصين بالرعاية الصحية والأكاديميين والمعلمين والمهندسين.

من جهة أخرى فقد عمل نظام كاسترو على تحقيق الكثير للكوبيين ذوى الأصول الأفريقية خلال 50 عاما على نحو لم يحدث خلال 400 عام قبله، ولكن تم توجيه الاتهامات إليه بأن سياسته فيما يتعلق بهؤلاء الكوبين ذوى الأصول الأفريقية تطرقت إلى قضايا سطحية ولكنها لم تطرق إلى إدخال تغييرات هيكلية بأوضاعهم فيما يتعلق بالتمييز ضدهم، وبشكل عام فإنه ومع موجة جديدة من التغيرات الاقتصادية عادت مرة أخرى القضايا العرقية والعنصرية من الأمور المهمة فى كوبا.

***

بدأت كوبا تنخرط فى القارة الأفريقية من خلال دعمها للنضال وحركات التحرير فى الجزائر ضد فرنسا، ثم انتقلت إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية «زائير سابقا»، واستكمالا لذلك الانخراط فقد قام كاسترو خلال عام 1964 بإرسال مبعوثه الشخصى «تشى جيفارا» فى زيارة استغرقت ثلاثة أشهر إلى عدد من البلدان الأفريقية.

لم تكن سياسات كوبا جيدة طوال الوقت فى أفريقيا؛ حيث كانت متأرجحة بعض الشىء فى القرن الأفريقى وبخاصة عندما اقتدت بالاتحاد السوفيتى فى تقديم المساعدة العسكرية للنظام الديكتاتورى بإثيوبيا ضد الغزو الصومالى ومقاتلى إريتريا. ولكن ذلك لم يمنع بأنها فى أماكن أخرى اتبعت سياسة خارجية أكثر استقلالية.

وقد انخرطت كوبا فى حرب جنوب أفريقيا من أجل حصولها على حريتها من حكم البيض وحدث ذلك مرتين عام 1976 ومرة أخرى عام 1988 حين هزم الكوبيون قوة بالوكالة تدعمها الولايات المتحدة لجيش التمييز العنصرى بجنوب أفريقيا والمتمردين الأنجوليين.

يشير «جاكوبس» بأنه خلال عام 1998 قام كاسترو بأول زيارة له إلى جنوب أفريقيا وفى خطاب ألقاه إلى برلمان جنوب أفريقيا أكد أنه بحلول نهاية الحرب الباردة فإننا نكون أمام 381.432 جندى وضابط كوبى كانوا على أتم الاستعداد للمشاركة أو قاتلوا بالفعل جنبا إلى جنب مع الجنود الأفارقة فى نضالهم من أجل حصولهم على استقلالهم الوطنى أو ضد العدوان الخارجى، فضلا عن فقدان العديد من الكوبيين أرواحهم خلال هذه الحروب.

جدير بالذكر أنه فى عام 1987 أشارت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية بأن ما يقرب من 10 آلاف كوبى فقدوا أرواحهم فى أنجولا خلال عام 1976 وهذه الأعداد تعد أكثر من الوفيات الأمريكية خلال حرب فيتنام.

ونظرا لكل ذلك التاريخ فلم يكن مفاجئا على الإطلاق أن تكون أولى زيارات الزعيم الجنوب أفريقى «نيلسون مانديلا» عقب إطلاق سراحه إلى العاصمة الكوبية «هافانا» عام 1991، والتى أشار خلالها إلى أن كاسترو يعد مصدرا لإلهام جميع الشعوب المحبة للحرية، وفى نهاية رحلته الكوبية تم توجيه إليه العديد من الانتقادات لإجرائه هذه الزيارة وبخاصة من قبل الولايات المتحدة، ولكن جاء رده بأنه لا يوجد إنسان شريف يمكن على الإطلاق أن يقبل بنصائح أو انتقادات من قبل من دعموا نظام الفصل العنصرى لما يقرب من 40 عاما، وممن لم يهتموا بأحوالنا فى أصعب الأوقات التى مرت بها بلادنا.

على الرغم من أن الحرب الباردة قد انتهت منذ وقت طويل فإن كوبا مازالت تقدم الدعم وتنخرط فى القارة الأفريقية إلى وقتنا هذا، وظهر ذلك جليا فى تدريب الأفارقة بالجامعات الكوبية وخلال تفشى فيروس الإيبولا فى ثلاث دول بغرب أفريقيا ظهرت مساعدتها إليهم بشكل كبير، وتأكيدا على ذلك فقد اعترف من ينتقدون كوبا فى الولايات المتحدة بمساهماتها فى تخفيف هذه الأزمة. فخلال هذه الأزمة زودت كوبا ــ الدولة ذات الـ11 مليون نسمة فقط ــ الأفارقة بوحدة كاملة مجهزة من الأطباء يعملون جنبا إلى جنب مع الأفارقة على نحو لم تساهم به أى دولة أخرى.

***

يختتم الكاتب بأنه عقب وفاة «مانديلا» عام 2013 قال كاسترو فى خطابه للجماهير بجوهانسبرج «إننا لن ننسى أبدا تحية ذلك الرجل وكفاحنا المشترك معه وزيارته لبلادنا عام 1991، مستطردا بأنه يعلم بأن للشعب الكوبى مكانة خاصة فى قلوب الشعوب الأفريقية».

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved