الشجاعة فى مواجهة الظاهرة: العنف ضدّ النساء والسياسة

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى... جاء فيه ما يلى:

ما الّذى يجعل النساء ينتفضن فى كلّ أنحاء العالم ويقرّرن الخروج إلى الفضاء العمومى للتعبير عن مشاعرهنّ ومواقفهنّ بكلّ هذا الإصرار؟ ما الّذى يدفع ضحايا كلّ أشكال العنف إلى البوح وتعرية المستور وفضح المعتدين، والمتواطئين بلا خجل أو خوف؟ لم قرّرت النساء فى أغلب البلدان التعبير عن سخطهنّ على الأنظمة السياسية المسنودة بالأنظمة البطريكية، وتوجيه انتقاد شديد لفئة من السياسيين والبرلمانيين، والقضاة، والأمنيّين، والإعلاميين؟
لقد انتقلنا من شعار ميّز الحملات السابقة: «كفى عنفا» إلى شعارات تطالب بإنهاء العنف: «أوقفوا العنف ضدّ النساء» «لا عنف بعد اليوم» وتبعا لذلك تنوّعت أساليب الاحتجاج من رقص ودهن الوجه باللون الأحمر (الشيلى) إلى (لبس السواد) المكسيك وأوروغواى إلى دهن الفم بالبنفسجى (الأرجنتين) إلى رفع أوانى الطبخ ومضخمات الصوت (تونس) إلى الهتاف بالحريّة (السودان)... ولكنّ المشترك بين جميع نساء العالم ومن آزرهنّ من الرجال المدافعين عن حقّ الإنسان فى الحياة، هو إرادة الخروج من وضع ما عاد بالإمكان تحمّله بعد أن بلغ منسوب العنف حدّا غير مسبوق فى تاريخ الإنسانيّة. فحسب إحصاءات الأمم المتحدة لسنة 2017 تجاوز عدد القتيلات 87000 فتاة وامرأة.
ولئن كان من الضرورى البحث فى أسباب ارتفاع حالات الاعتداء الوحشى على النساء والنظر فى أشكالها «المبتكرة» فإنّ الحيّز المتاح فى هذا المقام لا يسمح لنا بالتوسّع فى هذه الظاهرة المستشرية ولذا ارتأينا أن نتوقّف عند البعد السياسى لهذه المسيرات.
إنّ تحرّكات النساء لا يجب أن تُنزّل فى إطار مناسباتى: نتحدّث عنها فى نشرات الأخبار أو فى بعض البرامج الحوارية فيكون التعاطف الفورى ثمّ ننتقل فى اليوم التالى للنظر فى تشكيل الحكومة وأجندات الأحزاب... بدعوى أنّ هذا الموضوع هو الأهمّ فالسياسة قائمة على العقل لا العاطفة. فهذا الفصل بين السياسى والاجتماعى يعدّ فى تقديرنا، حجّة على التنصّل من المسئولية ذلك أنّ العنف ضدّ النساء ليس معزولا عن التدبير السياسى بل هو فى علاقة عضوية بالنظام السياسى، وطريقة تصوّر الحكومة للسياسات وصياغة التشريعات ومدى قدرتها على تطبيق القانون ومنع حالات الإفلات من العقاب ووقوفها ضدّ التواطؤ البطريكى، والخطاب السياسى المهين للنساء، وتوظيف النساء فى الانتخابات، والتلاعب بتمثيليتهنّ وحقّهن فى تولّى المناصب القيادية، وتطبيق التناصف الأفقى والعمودى... وما دام العنف ضدّ الفتيات، والصبيان والنساء يتقاطع مع الفقر والعرق والدين والأيديولوجيا وغيرها من المكوّنات فإنّه فى قلب التفكير فى إدارة البلاد وحلّ الأزمات لأنّ كلّ شىء هو سياسة.All is politics
ثمّ إنّه لا يُقبل أن ينظر إلى مسيرات النساء على أنّها «آخر صيحة من صيحات الموضة» ومحاولة لإحداث الضجيج، وبحث عن المرئية ورغبة فى عرض الذات فى الشارع ولفت الانتباه ومسرحة الألم ومحاولة تجاوز الصدمات لأنّ الحكم عليها من خلال هذه الزاوية، يجعلها عابرة ومفرغة من طاقة التأثير والفعل فى الواقع وفى البنى الذهنية ويقلّل، فى ذات الوقت، من شأن ما يترتّب عن العنف من نتائج.
ولأنّ المواطنات يصنعنّ اليوم رؤاهنّ وتصوراتهنّ للعالم، ويضغطنّ فى كلّ المنابر من أجل بناء مجتمع متوازن يقرّ بحقّ الجميع فى الحياة بكرامة، وتؤنسن فيه العلاقات الجندرية فإنّ خروجهنّ هو مساءلة ومطالبة بالمحاسبة: أين هى دولة القانون؟ وأين هو التزام الدولة بحماية حقوق المواطنات وتطبيق القانون؟ ولم يبدو تنفيذ القوانين متعثّرا؟ ولم تتدخل الأيديولوجيا السياسية أو الدينية فى القضاء فلا يحكّم بعض القضاة ضمائرهم بل ينتصرون لذكوريّتهم وينحازون لخدمة الامتيازات الذكورية؟ لم ينتصر التضامن الذكورى على حساب العدل؟
إنّ خروج النساء معناه معارضة أشكال الوعى السائد لدى النخب والجمهور على حدّ سواء. إنّه مقاومة لعنف بنيوى ترسّخ من خلال التنشئة الاجتماعيّة المعطوبة ومناهج التعليم التمييزية، وتأبّد بوسائل أيديولوجيّة وبُرّر بنصوص دينيّة، وصانته مؤسسات تعليمية وثقافية وروّجت له وسائل إعلاميّة ودخلته فئة من النساء فصار بذلك أخطبوطا مرعبا وماردا جبّارا.
أن نموت من أجل إيقاف العنف أفضل بكثير من الخضوع لأنظمة سياسية بطريكية الهوى تغضّ الطرف عن فئات تنتهك الحقّ الطبيعى فى الحياة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved