أوهام دموية عن الحلول الجذرية

ريم سعد
ريم سعد

آخر تحديث: الأحد 5 يناير 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

«إعدامات بقى خلينا نبتدى السنة الجديدة على نضافة بإذن الله» كانت هذه تغريدة لأحد المواطنين تعليقا على صورة تجمع مرسى ومجموعة كبيرة من قيادات الإخوان. أما الملحن عمرو مصطفى فقد كتب على صفحته على فيسبوك «اللى بيكره الاخوان الارهابيين ويطالب بإعدامهم بدون محاكمات لايك» وفاز تعليقه هذا بأكثر من ثمانية آلاف لايك.

زاد الحديث عن الإعدام بشكل غير مسبوق مع احتدام المواجهة بين المجتمع والدولة من جهة وبين جماعة الإخوان من جهة أخرى، ومع ازدياد وتيرة أعمال العنف والعمليات الإرهابية. ومع تصاعد الخوف والغضب يزداد اليقين (والذى لا أساس له من الصحة) بأن الإعدام يمثل حلا سحريا يذهب بالمشكلة إلى غير رجعة. ظهر هذا الغضب بصورة واضحة مع هتافات «الشعب يريد إعدام الإخوان» التى انطلقت أثناء المظاهرات التى أعقبت تفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية وأثناء تشييع شهداء هذا الهجوم الإرهابى، أما مانشيتات الصحف التى ظهرت صباح اليوم التالى حاملة نفس الهتاف فلا هى تلقائية ولا مدفوعة بغضب لحظى وإنما تصب فى اتجاه إحكام الحلقة على جماعة الإخوان والارتفاع بسقف العقاب المطروح.

أن يتوسل الناس من فرط الغضب أو الخوف الإعدام كسبيل للأمان أو أن يستفتى عمرو مصطفى معجبيه على صفحته الخاصة بخصوص إعدام مواطنين دون محاكمات هى بالطبع مشكلة، لكن حين يصدر كلام شبيه من جهات مسئولة فنحن بصدد تطور خطير. ومن ذلك مثلا تصريح اللواء هانى عبداللطيف المتحدث باسم وزارة الداخلية بأن من يقود مسيرة لجماعة الإخوان سيواجه عقوبة الإعدام.

•••

المسألة ليست تصريحا هنا أو هناك ولكنها طريقة السلطة الحاكمة فى التفكير والتعامل مع الأزمة الحالية والتى يبدو أنها تستحسن أو على الأقل لا ترفض فكرة الإبادة الجسدية سواء عن طريق أحكام الإعدام أو غيرها للتخلص من خصومها مستندة فى ذلك إلى التأييد الشعبى دون النظر إلى اعتبارات العدالة ولا العقل.

وربما أوضح وصف لطريقة تفكير تلك الأيادى غير المرتعشة هو ما ورد فى المقال الغريب الذى كتبه السيد أحمد المسلمانى المستشار الإعلامى لرئيس الجمهورية بعنوان «جريمة رائعة» والذى نشر بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 3 مارس 2008 والذى تناول فيه مذبحة القلعة التى نفذها محمد على بحق المماليك والتى حيا فيها محمد على على هذا العمل الرائع وشرح موقفه الذى يرفض النظرة الإنسانية لمثل هذا العمل. يقول السيد المسلمانى نصا:

«إنسانيا.. لا يمكن أن يقف أحد مع مذبحة جماعية راح فيها كل من حضر، وإنسانيا لا يمكن أن يقبل أحد وقائع قتل وغدر مفجعة تزاحمت فيها الجثث فوق الخيول وتحت الأقدام، وإنسانيا لا يمكن أن يرتضى أحد أن يتحول حفل عشاء إلى حفل عزاء، تناول فيه الضيوف فاتحة شهية ونهاية حياة. غير أننى أقف تماما على النقيض من ذلك الحسّ الإنسانى البدائى، لأكون واحدا من الذين يحترمون ويقدرون هذه المذبحة الرائعة. إننى واحد ممن يرون أن بعض رؤى الإصلاح والتقدم لا تحتمل ترف الحوار والجدل والإقناع، كما أنها لا يمكنها أن تبقى طويلا أسيرة حرب باردة بين الرأى والرأى الآخر. وأؤمن كذلك بأن كثيرا من مشروعات النمو فى الحالة المصرية وفى الثقافة العربية قد أربكها كثرة الحوار، وصخب الإفتاء والإنشاء! وظنى أن عددا وفيرا من نماذج التقدم قد أتت وعلت فى ظروف حاسمة لا أجواء مرتبكة وفى بيئة واضحة لا فى غابة من الانتماءات والانحيازات والأيديولوجيات المتصارعة».

•••

المقال قديم ولكن ليس هناك ما يدل على أن مستشار رئيس الجمهوية غير تفكيره منذ نشر تلك الكلمات، كما يبدو أن ما يحويه هذا المقال يلخص طريقة التفكير الحاكمة وتصرفاتها أيضا ــ أفكار بدائية ودموية فى آن عن الحل الجذرى والذى يكمن فى الإطاحة برءوس الخصوم مع أنه فى معظم الأحيان لا ينتج عن الرءوس الطائرة سوى تشعب جذور المشكلة وتحول الأرواح المزهقة إلى أشباح تسكن المستقبل وتفسده وتطارد الجميع كالعمل الردىء.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved