فوتو كوبي

نيفين مسعد
نيفين مسعد

آخر تحديث: الخميس 4 يناير 2018 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

أتيح لي أن أشاهد فيلم فوتو كوبي لمحمود حميدة وشيرين رضا قبل أن يتم رفعه من دار السينما التي قصدتها كما حدث مع دور أخرى بعد أسبوع واحد فقط من عرض الفيلم. يدور الفيلم حول محمود صاحب محل للتصوير والتغليف والطباعة بوسط البلد ويجسد دوره الفنان الكبير محمود حميدة. انشغل بطل الفيلم منذ اللقطات الأولى بسؤال كبير هو ماذا سيتبقى منه كإنسان وكمهنة بعد أن يرحل عن دنيانا، فالبطل لم يتزوج ولم يظهر له أي قريب وبالتالي فلن يحمل اسمه أحد ولن يبقى لعائلته أثر، المخرج لم يهتم أصلا بأن يذكر لقب عائلة البطل في إشارة ربما إلى أن محمود هو آخر من تبقى على قيد الحياة من عائلته. محمود إذن كشخص مهدد بالانقراض ومهنته أيضا مهددة بالانقراض، استثمر محمود خبرته كموظف سابق في إدارة الجمع بدار الهلال ووظفها في مهنته الجديدة، لكن المشكلة أن الطلب محدود على هذه النوعية من الخدمات وأنه في عصر السايبر كافيه لم يكن يملك محمود مقومات المنافسة، هو حتى كان غير قادر على منافسة أقرانه فمحله في شارع جانبي قلما يقصده أحد لتصوير المستندات بعكس صاحب كشك التصوير المواجه للسجل المدني.

***

من هنا أبدى محمود اهتماما خاصا بتاريخ الديناصورات باعتباره مهدد مثلها بالانقراض، فهو يسأل عنها ويقرأ حولها ويبحث عبر جوجل عن كل ما يخصها. وهذه الرسالة حرص المخرج على أن يؤكدها لنا في النصف الأول من الفيلم بإلحاح وبشكل مباشر، فهناك كم معتبر من اللقطات التي توضح قلق محمود من أن يرحل فلا يذكره أحد من أول طلاء العمارة الذي يسقط على لافتة محله "محمود فوتوكوبي" فلا يزيل إلا اسم محمود وانتهاء بحديث محمود الصريح عن رغبته في ولد يخلفه. للمفارقة فإن الفيلم يناقض نفسه لأنه بينما يوضح أهمية الأبناء في تخليد ذكرى الآباء فإنه عندما عرض لقصة صفية التي لعبت دورها شيرين رضا صوّرها كأم لابن عاق بل شديد العقوق، ورغم أنني كمشاهدة لم أقتنع بهذه القسوة غير المبررة من كريم ابن صفية إلا أن الخلاصة هي أن الأولاد ليسوا شرطا للخلود، والدليل أن محمود نفسه وجد وفاء من أهل الحي يَضمن له أن تستمر ذكراه على ألسنتهم دون حاجة للإنجاب.

***

استمتعت بالجزء الثاني من الفيلم أكثر من الجزء الأول فدرجة المباشرة فيه أقل والإيقاع الذي يميزه أسرع، وتصوري أن المخرج وقد اطمأن إلى أن فكرته الأساسية عن المشابهة بين مصير البطل ومصير الديناصورات قد استقرت تماما في ذهن المتلقي انتقل فى الجزء الثاني ليحكي كيف تحايل محمود ليتجنب المصير المشؤوم . كان البطل يرفض بشدة أن يبيع محله أو يطوره لكنه في الأخير قرر أن يشرك صاحب السايبر كافيه في ملكية المحل فضمن بذلك لمهنته الاستمرار، ومن يدري فلعله قد يعلق على المحل لافتة جديدة يعاد كتابة اسمه عليها مع شريكه أسامة. وكان البطل يكتم حبه لصفية ثم قرر أن ينتقل من التلميح إلي التصريح مراهنا على أن يحين أجله قبلها فتظل تحكي عن سيرته، وكان يعيش على الهامش ثم فجأة نافس بقوة على رئاسة اتحاد مُلّاك العمارة.

***

أبدع محمود حميدة في تجسيد شخصية سميّه محمود، ونقلنا من حالة التعاطف معه وهو يرسم دوائر حول كل من يحملون اسم محمود في صفحة الوفيات أو وهو يثير سخرية شباب السايبر كافيه، إلى الابتسام معه وهو يستعد لملاقاة حبيبته بالدباديب الحمراء أو وهو يشاغب اثنين من زبائنه ( عثمان من النيچر وعثمان من السودان ) لا تأثير دراميا لهما على العمل لكنهما أشاعا جوا من البهجة. وبذلت شيرين رضا مجهودا كبيرا لتتقمص شخصية المرأة العجوز المريضة بالسرطان ولعب الماكياچ دورا مهما في إقناع المشاهد بأن صفية هي نفسها شيرين رضا فائقة الجمال، لكن أداءها لم يخل من مبالغة فهي لاهثة دوما وتضغط بشدة على الحروف. ولعل اللقطة التي أمتعتني فعلا كانت حين ارتدت شيرين ثوبها الأحمر القاني وراحت ترقص أمام المرآة على أنغام الموسيقي، وتلك مناسبة للقول إنني كواحدة من عشاق أغنية قلبي ومفتاحه فوجئت بأن هناك مقطعا مخفيا منها يقول "يا مسهر دمعي على خدودي.. كرّهني غيابك في وجودي" فشكرا لمن أضاف لي هذه المعلومة. أما مفاجأة الفيلم فقدمها لنا أحمد داش الذي جسد شخصية عبد العزيز ذلك الصبي الفهلوي خفيف الظل الذي يعمل في كل شيء وأي شيء والذي غير صورتنا الذهنية عنه كابن ذوات، وكان مجرد ظهوره في مشهد يبعث على الابتسام.

***

نحن أمام عمل محترم قدمه لنا الكاتب هيثم دبور والمخرج تامر عشري، عمل لا نختلف على أهمية رسالته، وهي أننا إما أن نتأقلم مع تطور الزمن أو نندثر، لكننا قد نختلف على بعض تقنيات توصيل هذه الرسالة، فشكرا لكل من شارك في الفيلم وليت بوسعنا أن نصنع من هذه النوعية المحترمة من الأفلام أكثر من.... فوتوكوبي.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved