اعتزال مخرج

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 4 يناير 2022 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

داود عبدالسيد مخرج مبدع، لا يختلف أحد على إسهامه المتميز فى السينما المصرية، وكثير من أفلامه تحتاج إلى أن نشاهدها عدة مرات حتى نستنطق منها رسائل اجتماعية وسياسية وثقافية، بعضها مباشر، وبعضها غير مباشر. أثار خبر اعتزاله موجة من الشجن، ودعوات مراجعة الذات، والتفكير فى مستقبل صناعة السينما، وهى قضايا أظن انها بحاجة إلى مناقشة مستمرة سواء اعتزل المخرج الكبير أو لم يعتزل. لكن ما لفت انتباهى ان داود عبدالسيد، الذى بلغ ٧٦ عاما، يرجع سبب اعتزاله إلى تفضيل الجمهور أفلام التسلية، التى يحتاج إنتاجها إلى أموال طائلة، فى حين أنه يفضل أن يكون شباك التذاكر هو أساس تمويل الفيلم. يمثل حديثه منطقا سينمائيا احترافيا، يرى أن عنوان أى بضاعة رائجة هو الطلب عليها، ونظرا لأنه أدرك تبدل أذواق المستهلكين، فقد آثر الاعتزال منتصرا لتاريخه السينمائى بدلا من السير فى ركاب الأذواق المتغيرة.
ذكرنى ذلك بتاجر شهير اعتاد، وتعود على بضاعة يابانية الصنع، وعندما غزت المنتجات الصينية، الأقل جودة الأسواق آثر الانسحاب عن البقاء فى السوق. منطق، ووجهة نظر تُحترم دون شك. ولكنى لست أميل دائما إلى جلد الجمهور، ناعتا اياه بصفات سلبية، والنظر إليه من أبراج الثقافة، لأن كل مرحلة لها جمهورها، وعنوان الاختلاف هو تبدل الأذواق، ولعل ذلك ببساطة الذى أدى إلى ظهور نجوم، وتوارى آخرين، وبزوغ مخرجين، وتمتعهم بشهرة فى حينه، تماما مثل سوق الرواية، الذى يشهد ظهور روائيين لهم حضور، وجمهور جديد يتابع أعمالهم، وهى مسألة قد لا تروق للنقاد الكبار، مثل الراحل الدكتور جابر عصفور، الذى عبر عن ذلك صراحة فى إحدى مقالاته. 
داود عبدالسيد، وهو قيمة فنية مهمة، يعتزل فى رأيى لأسباب تخصه أكثر ما تخص الجمهور، فهو لا يستطيع مسايرة تفضيلات رواد السينما الآن، ويرى أن ما كان يقدمه لم يعد يقبل عليه الناس الذين يبحثون عن التسلية فى رأيه، وبالتالى قرر الانصراف، ويظل السؤال هل كان يقدم سينما الطبقة الوسطى، وبالتالى أدى تآكل هذه الطبقة إلى اختفاء المظاهر الفنية المعبرة عنها؟
هذه ليست اشكالية السينما فقط، أو تعبير عن موقف احتجاجى من مخرج لامع، لكنها أزمة كل المجالات، التى يشعر فيها أبناء جيل أو لون من الثقافة أو مدرسة فنية أن السوق صارت لها تفضيلات أخرى. جمهور التسلية الذى لم يعد يروق للمخرج الكبير داود عبدالسيد هو نتاج واقع، ومستوى ثقافى، وحالة نفسية جعلته يبحث عن هذا اللون من الفن، وهناك من المنتجين من يجارى الأذواق المتغيرة، ومن الطبيعى أن يجد آخرون أنفسهم لا يستطيعون السير فى ركاب الأمزجة المتحولة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved