أيام «طناش».. الوحدات الصحية في الريف المصري

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الجمعة 4 فبراير 2022 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

 

«طناش» قرية صغيرة من قرى محافظة الجيزة تبعد دقائق لا تتجاوز العشرين عن إمبابة إذا ما فكرت فى زيارتها مستخدما إحدى سيارات الأجرة التى تبدأ رحلاتها المكوكية على الخط طوال النهار. لمدة عام كامل كانت رحلتى اليومية إلى طناش القرية التى قررت العمل بها بعد انتهائى من عام الامتياز وحصولى على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية طب المنصورة. جاء تقديرى وترتيبى متقدما يسمح لى بالانضمام لهيئة التدريس بالجامعة لكنى فى الواقع كنت أحلم بمسيرة مختلفة بدأت بأننى قررت أن أخدم فى الريف أسوة بالخدمة الوطنية التى يقوم بها زملائى من الشباب فى الجيش. رغم الدهشة التى انتابت الدكتور ممدوح جبر إلا أنه أرسلنى بتوصية لوكيل الوزارة المختص الذى اختار لى وحدة «طناش» الصحية للعمل بها لمدة عام. الواقع أنها كانت سنة صعبة لكنى لا أنكر أنها من أكثر سنوات حياتى ثراء وأعمقها خبرة ما زلت أذكر جيدا ملامح الكثيرين من ناسها الطيبين خاصة السيدات اللاتى التففن حولى منذ اليوم الأول حينما بدأت مشروعى بالاهتمام بالأطفال وجداول التطعيمات والتغذية السليمة فى حدود الموجود من موارد.
تجربة أرى الآن أنها أحق بالتسجيل رغم أنها البدايات إلا أنها كانت أياما بالفعل لا تخلو من حس قوى بالواجب تجاه الوطن والرغبة الأصيلة فى الخدمة العامة كرد فعل طبيعى للشعور بالامتنان والعرفان للبلد الذى منحنا بسخاء فرصة للتعليم المجانى ورعانا حتى رسونا على بر الأمان لنبدأ تحقيق أحلامنا التى لن تنفصل عن أحلام الوطن والناس.
أبتسم حينما يقفز اسم «طناش» إلى ذهنى وهو الحاضر دائما رغم المعنى الذى يعبر عن مفارقة طريفة لكنه تردد هذا الأسبوع بقوة حينما طالعت بالصدفة تقريرا صادرا عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية حول الرعاية الصحية الأولية فى الريف المصرى، يشير التقرير إلى أن الرعاية الصحية الأولية فى الريف تعتمد على الوحدات الصحية الريفية البالغ عددها أربعة آلاف ومائتين وخمسة وأربعين وحدة صحية إلى جانب مراكز متخصصة لمكافحة البلهارسيا والملاريا والعيادات المتنقلة. ويشير التقرير إلى أن المناطق نفسها تعانى من نظام صرف صحى آمن، فقد وصلت نسبة التغطية إلى ١٢ بالمائة فقط ،و أن تلك المناطق تعانى من غياب أساليب منظمة لجمع المخلفات المنزلية وأن ٦٣٫٣٪ من سكان الريف يتخلصون من القمامة فى الشارع أو المجارى المائية.
وقد خلص التقرير إلى أن تقديم رعاية صحية أولية بكفاءة وجودة عالية من شأنه أن يحد من انتشار ٧٠٪ من الأمراض!
توقفت كثيرا أمام النتائج الذى توصل إليها التقرير. وأظننى أعاود القراءة لمرات أخرى، وقد يستدعى الأمر أن أكتب من واقع تجربة عشتها فى طناش طبيبة مسئولة عن وحدة صحية تخدم ثمانية آلاف «وقتها» من البشر تحت مسمى ممارس عام.
فكرة إنشاء وحدات صحية وتكليف الأطباء للعمل بها فى الريف والصعيد بالقطع كانت أحد الأحلام الوطنية فى وزارات عبدالناصر والتى دعمها بقوة وزير صحة مصر الأشهر د. عبده سلام، فبدأت وكان يجب أن تواكبها خطة قومية لمراجعة مسيرتها وتقييم عملها ومحاولة التأكيد على كل نقاط القوة فيها وعلاج نقاط الضعف. قد يكون من الواجب الآن إنشاء هيئة مستقلة تعيد النظر فى كل ما يتعلق بعمل الوحدات الصحية التى هى المشروع الحقيقى للرعاية الصحية الأولية. هيئة مستقلة تضم خبرات مختلفة فى الصحة العامة والوقاية من الأمراض من وزارة الصحة والتضامن الاجتماعى والإسكان والتعمير والمالية ثم المجتمع المدنى.
اليوم نبدأ..
ولتكن دعوة عامة لكل أصحاب الرأى فى تلك القضية البالغة الأهمية للحوار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved