حصانة المجتمعات

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 4 مارس 2015 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

المجتمع يواجه الإرهاب، هذا صحيح، ولكن لم يحدث إلى الآن إطلاق خطة حقيقية لتمكين المجتمع من مواجهة الإرهاب. وأزعم أن العكس يحدث، من خلال انخفاض منسوب المشاركة، وارتفاع معدلات التوتر الإعلامى، ووجود تخبط قانونى، والتركيز المفرط على المواجهة الأمنية، والترصد لأى رأى معارض أو مخالف، والتوسع فى خطابات التخوين حتى بين المنتمين إلى نفس المعسكر السياسى.

الشرطة تواجه الإرهاب، ويسقط منها شهداء ومصابون، ويعتقد كثيرون أنها رأس الحربة فى المواجهة، لكن حتى تقوم الشرطة بدورها ينبغى أن يكون المجتمع محصنا، قادر على المواجهة، ويصبح دورها منحصرا فقط فى مواجهة الجريمة. حصانة المجتمع ليست فقط بتطبيق قواعد الشك والارتياب وإبلاغ الشرطة بالأخطار ومظاهر الاشتباه، ولكن عن طريق رفع مستوى المناعة فى جسده، وهى عملية متعددة الأبعاد.

مناعة سياسية من خلال فتح منافذ المشاركة سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ولاسيما من خلال الأحزاب، والجامعات، والجمعيات الأهلية، والمحليات والتوقف عن ترويج نظرات سلبية تجاه بعض أو كل هذه المؤسسات، واعتبرها «مشكلات» ينبغى التعامل معها، فى حين أنها تشكل مساحة مهمة فى تكوين الشخص تجاه مجتمعه.

مناعة تعليمية من خلال تطوير المناهج الدراسية بالتركيز على التفكير النقدى، وممارسة الأنشطة الثقافية والفنية، وارتباط الطلاب بالمبادرات الاجتماعية فى المجتمع، وخطط التنمية.

مناعة ثقافية تتمثل فى تعميم «العدالة الثقافية» فى توزيع المنتجات الثقافية خارج العاصمة والمدن الكبرى حتى يتمتع بها الريف، والمناطق المهمشة، والفقراء.

حصار الإرهاب، ومنع تسلله إلى قطاعات عريضة من المجتمع يفترسها الفقر والتهميش لن يكون فقط بالأمن أو باستحداث وتعديل قوانين يثار حولها الجدل، ولكن فى الأساس بتحصين المجتمع، وتمكين أفراده من العيش بحرية، وكرامة، وعدالة اجتماعية.

الأزمة الحقيقية فى شيوع نمط تفكير يظن أن هزيمة الإرهاب تكون بالأمن، وفرض قيود على حرية الحركة للمواطن، وغض الطرف عن التجاوزات فى حقوق الإنسان، والترصد لأى رأى يبدى نقدا أو معارضة، وهو توجه ثبت قصوره وفشله، لأن تجفيف منابع الإرهاب ــ فكرا قبل أن يتحول إلى عنف يتطلب مواجهة أمنية معه ــ يكون ببناء المواطن، تعليميا، وثقافيا، واجتماعيا، وفتح منافذ الحراك السياسى والاجتماعى أمامه.

بالتأكيد هناك حاجة إلى استراتيجية متكاملة لمواجهة الإرهاب على أصعدة مختلفة، تتكامل حلقاتها ولا تنفصل، ولا يغلب مكون فيها على باقى المكونات، ويصبح الهدف النهائى منها سياسات مستدامة ــ وليست مرحلية أو انفعالية أو عاطفية ــ يمكن من خلالها مواجهة الإرهاب فكرا قبل أن يتحول إلى ممارسة، وهو ما يتطلب أن تدب الروح فى المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية، وترصد لها الميزانيات التى تساعدها على أداء دورها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved