أوضاع مصر المغلوطة

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 4 مارس 2017 - 11:55 م بتوقيت القاهرة

لماذا تبدو مصر وكأنها دائما تدور فى حلقات مفرغة؟ لماذا لا تتقدم على الرغ من كل الشعارات والآمال والوعود؟ لماذا تخرج من «حفرة» لتقع فى «دحديرة»؟.. السبب فى رأيى أن أوضاع مصر مغلوطة! مقلوبة! لا أتحدث هنا عن ديموقراطية ولا عن تحضر ولا عن رقى ولا عن منافسة العالم المتقدم، فقط أتحدث عن غياب أساسيات الحياة التى قد تؤدى إلى استقرار ولو نسبيا حال توافرها! هناك العديد من الأوضاع المغلوطة فى مصر والتى تجعل من الاستثناء قاعدة، تحول العالم إلى جاهل، والجاهل إلى عالم، والسارق إلى بطل قومى، والشريف إلى متهم وهكذا تبدو الأوضاع دائما رأسا على عقب!
< لا قواعد! هذا هو السبب الأول لأحوال مصر المغلوطة حاليا، ليس هناك قواعد لأى شىء! هل نفاقك للسلطة يضمن لك موضعا آمنا بجانبها؟ أبدا! انظر حولك لترى كيف بذل البعض الغالى والنفيس لتبرير وتوفير مساحة آمنة بجانب السلطة ولكن تم الغدر به فى أوضاع غامضة ولحسابات غير مفهومة! هل نعرف على وجه التحديد لماذا يتقرب البعض إلى السلطة ودوائر صنع القرار على الرغم مما يحيط بها من سمعة سيئة وما يعرفه عنها القاصى والدانى من عدم نزاهة، فى الوقت الذى يتم إبعاد فيه البعض الآخر رغم الكفاءة والمهارة؟ هكذا هى الأمور فى مصر، لا قواعد ولا معادلات ثابتة، الأصل أصبح استثناء والاستثناء أصبح أصلا!
< لا معلومات! هذا سبب آخر لمشكلات مصر، لا معلومات، لا حقائق، الكل يعتمد على الإشاعات والتخمين، ولا يضر أحيانا أن نضرب الودع! الأمن القومى أصبح مجرد مصطلح غامض غير محدد المعانى ولا الملامح، يُستخدم لتبرير السرية وعدم الشفافية! إذا لزم الأمر فلا مانع من قرارات بحظر النشر ثم اتهام أعداء الوطن بنشر الإشاعات وإشاعة الفوضى هكذا ببساطة!.
إذا كنت تعمل فى المجال البحثى وتريد الحصول على أبسط أنواع المعلومات لأغراض علمية بحتة، فإن الحصول على ذلك يعد ضربا من ضروب المستحيل، فأى معلومة مهما كانت عادية يتم التعامل معها بقدر مريب من السرية وعدم الشفافية، وهو ما يشيع دائما جوا من عدم الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع.
***
< لا مسئولية! من المسئول عن أى شىء يحدث فى المحروسة؟ مَن الذى يجب أن يحاسب مَن؟ هل يحاسب المسئول الناس أم أن العكس هو الصحيح؟ ماذا يعنى أصلا أن تكون مسئولا فى مصر؟ الحقيقة لا يعنى ذلك أى شىء! ليس هناك محاسبة ولا جدية ولا حتى شعور بخطورة الأوضاع بين المسئولين! هل رأيت ذلك المسئول الذى برر تصريحاته الخائبة حول توقعه لسعر الجنيه مقابل الدولار بأنه كان «يمزح» وأن المصريين يحبون المزاح! منتهى الاستهتار وعدم المسئولية، لو كان هذا الرجل قد شك للحظة واحدة أن هناك من سيحاسبه لما كان قد قال التصريح الأول، ولأنه أمن العقاب فقد تمادى فى الاستهتار وخرج بالتصريح الثانى، هكذا ببساطة كان يمزح فى موضوع عصيب يخص حياة الناس وأكل عيشها فى ظروف اقتصادية صعبة!
< انتقائية المحاسبة! سيكون من الخطأ أن نقول إنه لا محاسبة فى مصر، الحقيقة أن هناك محاسبة، ولكنها محاسبة انتقائية، تبحث عن الضعاف أو المتمردين لتحاسبهم على أخطاء حقيقية أو تخيلية لتجعلهم عبرة لمن لا يعتبر من المقاومين والخارجين عن القواعد! أما الأقوياء المرضى عنهم فهم فى مأمن وسيظلون كذلك طالما قدموا فروض الطاعة والولاء! «الحرامية فى الشارع والشرفاء فى السجون» ليس مجرد شعار أجوف، لكنه يعكس الكثير من الحقيقة بكل أسف! كم من سارق حر طليق وكم من شريف يدفع أثمان باهظة لشرفه وحفاظه على مبادئه؟ انتقائية المحاسبة تزيد من مساحة عدم الثقة بين المجتمع والدولة وتنقص الحديث عن محاربة الفساد الكثير من مصداقيته.
< أين العدل؟ العدل يعيد إلى النفوس إيمانها وإلى العقول اتزانها، قيمة العدل ليست فقط فى معناه المجرد أو مثاليته المبتغاة، ولكن أيضا فى كونه أداة برجماتية للحكم، وسيلة للسيطرة المثمرة! طالما استقر فى وجدان الناس أن القانون للضعفاء فقط فسيكرهون ضعفهم وسيبحثون على لحظة واحدة للقوة والتجبر والانتقام! غياب العدل يدفع البعض للنفاق، والبعض الآخر للانزواء والاكتئاب، والبعض الثالث للانفجار، وهكذا تدور عجلة العنف والإرهاب والثأر والثأر المضاد! هكذا تشتعل نيرات الفتن المجتمعية وتجد دائما من يزيدها اشتعالا للحفاظ على مصالحه الشخصية ومصالح شبكاته المعقدة! تفقد الدول هيبتها بغياب العدل وتكون عرضة للتفكك والانحلال بفقدان الثقة والأمل فى المستقبل.
***
< تديين السياسة! لم تعد المشكلة كما كانت فى تسييس الدين، الاتجاه الجديد هو أن يتم إلباس السياسة العمة والصليب معا! يتم استدعاء الإمام والبطريرك للتبرير والتمرير والتدليس! لإضفاء قدسية على القرارات والسياسات، لتأميم وعى الاتباع محبى الظهور للأضواء! منابر المساجد ومذابح الكنائس دنستها السياسة وانتهكتها السلطة! فقط إذا غضب الإمام أو شعر بالإهانة تذكر حقوق الإنسان والسياسة، أما إذا تمت مصالحته فقد أصبحت نسيا منسيا، لأن الهدف ليس الإنسان ولا الإله، ولكن البوصلة أصبحت نحو السلطة، نحو الكهنوت، نحو الرغبة المجنونة فى السيطرة والقيادة حتى كفر الناس بالدين لا رغبة فى تحدى الإله ولكن يأسا من المتحدثين الحصريين باسمه!
< الفهلوة والدروشة! هذا ليس عيبا فى الشعب كما يعتقد ويروج البعض، العيب بالأساس فى النخب، فى المسئولين، الاعتقاد الدائم أنهم أذكى وأكثر تعليما ورقيا من الآخرين، على الرغم من أن الكثيرين منهم لم ولن يواكبوا التطورات العلمية والمعرفية ما يجعل علمهم بمقاييس العصر جهلا! لكن كمية الصلف والغرور لدى البعض تجعلهم يواصلون طريق التكبر بلا تراجع أو مراجعة وقوة موقعهم فى المجتمع تثير الذعر فى أتباعهم فيخشون مصارحتهم بالحقيقة. الفهلوة والدروشة مرض مصر المعاصر الذى يدفع العلماء بعيدا ويقرب الجهلاء والمدعين فتستمر مصر فى غياهب الجهل إلى حين.
< غياب الحريات! حينما تختفى الحريات، يختفى الحماس، يختفى الإخلاص ومن ثم يختفى الإبداع، غياب الحريات أو رهنها أو مقايضتها تشل المجتمعات وتغل يد التحديث وتنهى آمال التقدم. غياب الحريات يؤدى إلى تأخر المجتمعات وخروجها عن ركاب التقدم، مهما حاولنا العناد أو الوقوف فى وجه التاريخ مأخوذين بنشوة انتصارات مؤقتة هنا أو هدير معارك هناك، فطالما قررنا سجن الحريات فقد سجنا معها كل معانى وأدوات التقدم والتطور والحضارة.
***
قد تبدو بعض النقاط المذكورة أعلاه سجعية، وقد تكون كذلك بالفعل، لكنها فى النهاية تعبر عن حقائق مصر المؤلمة التى وبكل أسف أصبحنا نستيقظ وننام عليها فى انتظار قادم أفضل لا نعرف بعد متى ولا كيف، ولكننا نعرف أنه لا مستقبل لمصر بدون معادلة سياسية واقتصادية جديدة، أنكر من أنكر وعاند من عاند.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved