فى محطة مصر.. من المسئول.. وما العمل؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 5 مارس 2019 - 10:04 ص بتوقيت القاهرة

بعد ما يقرب من أسبوع على انفجار جرار محطة مصر، فإن حالة من الاحباط والغضب لا تزال سائدة بين الناس، برغم استقالة الوزير، وبرغم صرف التعويضات لأهالى الضحايا، وبرغم القبض على سائق الجرار وعاملى التحويلة بالمحطة وتوجيه الاتهام إليهم.
وفِى تقديرى أن وراء هذه الحالة ادراك متزايد لدى الناس بأن الاكتفاء بإلقاء اللوم على السائق والعاملين كما جرى فى الماضى ليس كافيا، بل يلزم تقييم سياسة الدولة تجاه المرافق العامة، وبالذات القديم منها، وتوفير الموارد الكافية لإصلاحها اصلاحا جذريا قبل أن تؤدى إلى مزيد من الكوارث.
الذى نشرته وسائل الاعلام عن الحادث لا يخرج عن أن يكون سردا للملابسات النهائية التى أدت لانفجار جرار الموت واشتعال الحريق على رصيف المحطة: سير الجرار فى مسار خاطئ، ونزول السائق للشجار مع زميله دون وقف الجرار، وامتلاء خزانه بالسولار، واندفاعه بأضعاف سرعته المعتادة، وكل هذا سيجرى الفصل فى صحته وتحديد المسئولية عنه من جانب القضاء وحده.
ولكن هذه كما ذكرت هى الملابسات التى أحاطت بالحادث وجعلت ضحاياه يبلغون هذا العدد المروع. أما الأسباب فهى كل ما يجعل من الممكن أصلا لحادث من هذا النوع أن يقع فى غياب آليات وضوابط ونظم تحكم تمنع وقوع مثل هذه الكوارث وتوقف تنفيذ الأخطاء البشرية، حتى ولو كان هناك إهمال جسيم أو خطأ فادح أو تعمد واجرام. فالغرض من نظم الوقاية والسلامة ليس وضع تعليمات وضوابط وافتراض حسن النية والانضباط من الجميع، بل افتراض الأسوأ والعمل على تجنب الكوارث والحوادث عند ارتكاب اخطاء فادحة أو إهمال جسيم. وهذا لا ينطبق على السكك الحديدية فقط، بل على كل نظم الادارة والسلامة فى المنشآت الصناعية وفِى المؤسسات المالية وفِى أى موقع عمل حيث يجب أن تكون مصممة لمواجهة الإهمال والتقاعس بل والتواطؤ وليس للتعامل مع الظروف العادية. ولهذا فإن الخطأ الأصلى فى محطة مصر هو أن يكون انفجار جرار ووفاة وإصابة العشرات ممكنا لمجرد أن سائقا كان متهورا أو واقعا تحت تأثير مخدر أو حتى متعمدا لارتكاب الجريمة.
هذا المستوى من التحديث والتطوير الذى يرفع كفاءة وسلامة المرافق العامة، وعلى رأسها السكك الحديدية، غير قابل للتحقيق من خلال مجرد إصلاحات مؤقتة وحلول مسكنة، بل يلزم له تغيير جذرى فى أولويات الانفاق العام واعادة توجيه موارد الدولة واستثماراتها نحو الاهتمام بصيانة وتجديد المدن القديمة ومرافقها وخدماتها التى تعانى من التردى والانهيار على نحو يهدد حياة الناس أو يحرمهم من التمتع بالحد الأدنى من الخدمات العامة. وهذا يستدعى بدوره اعادة تقييم سياسة الدولة فى بناء وتنفيذ مشروعات قومية كبرى بعيدا عن احتياجات الناس اليومية.
بمقدور البرلمان أن يكتفى بطلب محاسبة السائق، وبمقدور الاعلام أن يركز على تعاطيه للمخدرات، وبمقدور الحكومة أن تكتفى باصلاحات عابرة هنا وهناك، ولكن ما لم يجرِ تغيير سياسة الانفاق العام على المرافق والخدمات المملوكة للدولة وما لم يتبنْ المجتمع مفهوما جديدا للسلامة والأمن والوقاية فلن يتراجع خطر مثل هذه الحوادث مستقبلا.
•••
ختاما، فقد أسفت لاستقالة الوزير هشام عرفات من منصبه الوزارى بعد ساعات من وقوع الحادث، رغم اختلافى مع قراره العام الماضى برفع أسعار تذاكر المترو، وذلك لاعتقادى أنه كان من أفضل وأكفأ أعضاء الوزارة، ومن أكثرهم تحقيقا للنتائج فى مجاله، ومن أقلهم حرصا على الظهور الاعلامى الذى صار عنوان النجاح فى العمل الحكومى. ومع ذلك فإن كانت استقالته ستساهم فى ترسيخ مبدأ مسئولية الوزير عن كل ما يجرى فى وزارته والهيئات التابعة لها، ولو كان غير متصل بها مباشرة، فقد قدم خدمة للوطن عن طريق ترسيخ مبدأ المساءلة السياسية، وأرجو ألا تكون آخر خدماته ومساهماته العامة.
مع خالص التعازى لاهالى الضحايا والتمنيات بالشفاء العاجل للمصابين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved