حزب الله: الحقيقة والخيارات

فيس بوك
فيس بوك

آخر تحديث: الإثنين 4 مارس 2019 - 11:50 م بتوقيت القاهرة

نشر الكاتب الأردنى «لبيب قمحاوى» مقالا على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» يتناول فيه دور «حزب الله» النضالى ضد الاحتلال الصهيونى، والحرب الإسرائيلية المقبلة على الحزب وتداعياتها..
بغض النظر عن رأى البعض فى ماهية حزب الله كإطار سياسى نضالى ذى صبغة دينية، وبغض النظر أيضا عن قبول البعض بمُسمَى الحزب أو اعتراضهم عليه، فإن محتوى وبرنامج الحزب ونهجه النضالى يبقى هو الأساس فى تعريف الحزب وتصنيفه وتحديد هويته. وفى كل الأحوال فإن حزب الله قد نجح فى ترجمة ما ينادى به وفى تحويله من أقوال إلى أفعال، وهو بذلك قد اكتسب مصداقية عجز الآخرون عن مقاربتها أو حتى على الحصول على جزء منها خصوصا فى زمن لم يشهد فيه العرب سوى انهيار تلو انهيار.
من الخطأ التعامل مع حزب الله أو ما يتعلق بحزب الله باعتباره شأنا لبنانيا محليا، فالأمر أكبر من ذلك وأهم بكثير. وسياسات الحزب المحلية أصبحت مرتبطة فى معظمها بحماية وجوده فى هذه الحاضنة اللبنانية، أكثر منها رغبة فى اقتسام كعكة السياسية اللبنانية أو الانغماس فى صغائر أمور السياسة المحلية. برنامج حزب الله أكبر من لبنان، وهو الوطن العربى العزيز والغالى، ودور حزب الله الإقليمى فى الظروف الحالية أكبر وأخطر وأكثر تأثيرا من دور الدولة اللبنانية التى تعانى من عوامل التفكيك الداخلى بما يكفى لإضعاف أى دولة وشَل مسارها.
لقد أصبح حزب الله جزءا من معادلة إقليمية مُعقَدة تُشَكِل فى أبعادها السياسية نقطة وثوب إلى الأعلى عِوضا عن الانهيارات التى تعج بها أوساط وثنايا أنظمة الحكم والدول فى الوطن العربى. فحزب الله يمتلك رؤية سياسية تعكس، كما هو واضح، قناعات راسخة تكاد تقترب فى قوة الالتزام بها من الأيديولوجيات المتشددة التى حكمت مسار العديد من الأحزاب والدول فى القرن الماضى. وهذه الرؤية ترتبط بشكل رئيسى بالقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلى وأطماعه الإقليمية.
***
يتعرض حزب الله منذ فترة طويلة لمسلسل من المؤامرات التى تستهدف القضاء عليه أو إضعافه إلى الحد الذى قد يُفقده التأثير على مجرى الأحداث المحلية والإقليمية. وهذه المؤامرات قد أخذت أشكالا سياسية وعسكرية واقتصادية مختلفة. ويبدو أن نجاح حزب الله فى تجاوز كل أشكال التآمر تلك قد حصر الخيارات أمام إسرائيل ومِن خلفها أمريكا وبعض العرب بالخيار العسكرى. وخطورة هذا الخيار تكمن فى أبعاده الإقليمية كونه سوف يشمل فى آثاره أكثر من دولة، وسوف يؤثر بشكل مباشر على موازين القوى الإقليمية السائدة.
تزداد خطورة الخيار العسكرى نتيجة لافتقاد أى طرف للقدرة على السيطرة منفردا على مسار ذلك الخيار أو نتائجه إذا ما ابتدأ فعلا. ولكن من الواضح أن الخيارات المختلفة ضمن البعد العسكرى سوف تكون خيارات صعبة ومُدمرة فى نتائجها على جميع الأطراف. وهذا يعنى وجود حالة من الردع النسبى المتَبادَل بين إسرائيل والسعودية وحلفاءهم من جهة وحزب الله وإيران وحلفائهم من جهة أخرى، خصوصا بعد فشل أمريكا والسعودية فى حسم الوضع السورى لصالحهم.
حزب الله لا يسعى بالتأكيد إلى حرب انتحارية بقدر ما يسعى إلى فرض ضوابط على جموح القوة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة وإلى الحد الذى يسمح لها بالعربدة العسكرية فى أى سماء عربى تختاره دون أن تحسب حساب أحد. وحزب الله يسعى بذلك إلى تعبئة الفراغ الكبير الذى خلقه تدمير العراق وسوريا وعزوف الأنظمة العربية حتى عن التلويح بإمكانية الصدام مع إسرائيل فيما لو تجاوزت حدودها فى انتهاك السيادة أو الحقوق العربية. وهذا المسار يسعى إلى فرض ما يسمى باللغة العسكرية «ردعا» حتى ولو كان نسبيا، للتفوق العسكرى الإسرائيلى والضعف والاستسلام العربى الذى وصل إلى حد استجداء القبول والرضا الإسرائيلى.
لقد استجلب هذا الموقف عداء أمريكا المتزايد لحزب الله ومغالاتها فى استعمال آليات الحصار الاقتصادى من جهة والتصنيف الإرهابى من جهة أخرى كوسائل لإنهاك الحزب لصالح إسرائيل. وتُشارك بعض الأنظمة العربية أمريكا وإسرائيل عداءَهما لحزب الله سواء بالسر أو بالعلن وتحت عناوين ولافتات مختلفة تسمح بالتقاء مصالح تلك الأنظمة بمصالح أمريكا وإسرائيل فى عدائهما لحزب الله وإيران.
ما نحن بصدده لا يهدف إلى إيلاء حزب الله دعما لا يستحقه بقدر ما يهدف إلى الاقتراب من الحقيقة بأوضح ما يمكن خصوصا وأن مسار الأمور يشير إلى قرب شن حرب إسرائيلية فى الظاهر وإسرائيلية ــ أمريكية ــ عربية فى الباطن لتدمير حزب الله ومن ورائِه فلسفة المقاومة للاحتلال الإسرائيلى لفلسطين العربية. فالعدوان على حزب الله يهدف من المنظور الإسرائيلى إلى القضاء على نهج المقاومة بغض النظر عن الملابسات التى تحيط بعلاقة حزب الله مع إيران، واستعمال تلك العلاقة كعذر لبعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل بل والتحالف معها فى حرب لا يؤمن أحدا بوجاهتها أو بمنطقيتها من منظور المصالح العربية.
لقد نَقلَ سلاح الصواريخ طبيعة الصراع العسكرى القادم مع إسرائيل إلى مستويات وآفاق جديدة لم تعهدها المنطقة من قبل. والتفوق العسكرى الإسرائيلى أصبح الآن على المحك بعد أن تمكن حزب الله من امتلاك مخزون ضخم من الصواريخ المختلفة فى مداها وقوتها تجاوز فى مجموعه 130 ألف صاروخ، والأهم أنه تمكن من الاحتفاظ بهذا المخزون سالما معافا. ولكن ما الذى تغير وجعل خطر الحرب يلوح الآن فى الأفق مع أن امتلاك حزب الله للصواريخ ليس بأمر جديد؟
لقد فشلت جميع المساعى والضغوطات فى إضعاف حزب الله أو كسر عقيدته السياسية وإرادة الصمود والتحدى لديه أو فى تدمير مخزونه من العتاد العسكرى والصواريخ. وفى هذه الأثناء تمكن حزب الله وبمساعدة ملحوظة من إيران من تطوير مخزونه الصاروخى من صواريخ تقليدية إلى صواريخ ذكية مما يعنى دقة أعلى فى إصابة الهدف وقدرة تدمير أكثر كفاءة. وبالرغم من المحاولات الإسرائيلية المتعددة لضرب مواقع التعديل تلك فى سوريا، إلا أن حزب الله نجح فى نقل تلك المواقع واستمر فى تعزيز قدرة صواريخه التقليدية وتحويلها إلى صواريخ ذكية، الأمر الذى شَكَل بالنسبة لإسرائيل تجاوزا على الخط الأحمر كما تراه.
من أهم الأسباب وراء إحجام إسرائيل عن ضرب حزب الله حتى الآن هو قناعتها بأن مثل تلك العملية ستؤدى إلى خسائر بشرية إسرائيلية كبيرة، وإلى تدمير أهدافٍ استراتيجية ومدنية عديدة فى الكيان الإسرائيلى. صحيح أن إسرائيل سوف تستعمل أقصى ما لديها من قوة عسكرية ودعم أمريكى لضرب حزب الله وتدمير قواعده فى لبنان، إلا أنها نفسها سوف تتعرض لحجم هائل من الدمار الصاروخى وربما احتلال بعض المناطق المتاخمة للحدود فى الجنوب اللبنانى وهو أمر قد تكون له آثار ضخمة على الروح المعنوية الإسرائيلية بغض النظر عن طول فترة ذلك الاحتلال، وهنا مربط الفرس. إسرائيل تبحث عن طرق ووسائل مضمونة لتخفيف آثار الدمار المتوقع عليها من صواريخ حزب الله، وإلى أن تصل إلى نتيجة مرضية ومقبولة فإنها سوف تفكر مليا قبل أن تُقْدِم على شن حربها على حزب الله.

***
الحرب الإسرائيلية المقبلة على حزب الله قد تكون المرة الأولى التى سيتعرض فيها جسم الدولة الإسرائيلية وسكانها إلى القصف المباشر والمؤثر، وهو بالتالى سيكون قرارا خطيرا بالنسبة لأى حكومة إسرائيلية كونه قد يؤدى إلى إغضاب الرأى العام الإسرائيلى إذا كانت الخسائر المادية والبشرية كبيرة والأسباب لم تكن مقنعة والنتائج غير مرضية. الخيارات ستكون صعبة بالنسبة لكل الأطراف والنتائج قد تكون مُدَمِرَة على الجميع وإن بدرجات متفاوتة.
لقد أصبحت روسيا الآن لاعبا أساسيا ومباشرا فى الشرق الأوسط، ولها مصالح فى سوريا مُعتَرف بها من قبل أمريكا والعالم ولها حق الدفاع عنها. وفى ظل التواجد المادى لحزب الله وإيران على الأراضى السورية، فإن إسرائيل تسعى الآن إلى التوصل إلى تفاهم أو صفقة مع روسيا تسمح لها بضرب قواعد ومخازن حزب الله وإيران فى سوريا. وروسيا، بالرغم من علاقاتها الخاصة مع إسرائيل، إلا أنها لن تسمح بزعزعة الاستقرار فى سوريا خصوصا استقرار النظام. وهذا الموضوع خطير بالنسبة للمخططين العسكريين الإسرائيليين الذين لا يريدون أن يكون لدى حزب الله مَنفذ سورى للتخلص من الضغط العسكرى الإسرائيلى على لبنان فى حال شنت إسرائيل حربها المتوقعة ضد حزب الله، ناهيك عن أن الروس لا يريدون ارتكاب الخطأ الأمريكى بالتورط فى مستنقع نزاعات الشرق الأوسط خصوصا العسكرية منها، كما أن الإسرائيليين لا يريدون استثارة الغضب الروسى لأن ذلك قد يُقَلِص بالنتيجة خيارات إسرائيل العسكرية.
من الواضح أن الروس لا يوافقون على الانتهاك الإسرائيلى الأهوج للأجواء السورية، مما حصر بالتالى مصدر الضربات الإسرائيلية لقواعد حزب الله فى سوريا إما بالبحر أو بالأجواء اللبنانية المجاورة. وهذا الوضع قد لا يُمكِن إسرائيل من توجيه ضربات قاتلة لحزب الله مقارنة بحجم الدمار الذى يمكن لصواريخ ذلك الحزب أن تلحقه بالإسرائيليين فى حال نشوب حرب.
الإقليم إذا فى طريقه إلى مواجهات عسكرية حيث لا يمكن حسم ما هو مُخطط له إسرائيليا وأمريكيا ضد حزب الله إلا من خلال الحرب. وفشل مؤتمر وارسو قد أضعف خيار تدويل الحرب على حزب الله وإيران وأعاده إلى المربَع الأول الإسرائيلى ــ الأمريكى ــ السعودى. وحزب الله، وإن كان يُشكل خط الدفاع الأول ضد ذلك المخطط كونه هو المقصود أصلا، إلا أنه وضمن المعطيات السائدة، قد يكون أيضا خط الدفاع الأخير خصوصا فى ظل غياب جبهة فلسطينية فاعلة ومؤثرة على مجرى الأمور.
إن الحفاظ على حزب الله وعافيته، والتخلص من السلطة الفلسطينية ومسارها الانهزامى، هما طرفى المعادلة اللازمة لإنجاح أى مسعى حقيقى للحفاظ على مصالح الأمة العربية وعلى قدرتها على مقاومة الوجود الصهيونى على أرض فلسطين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved