التعاون الإسلامي

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الأربعاء 4 مارس 2020 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

ارتبط التعاون الإسلامى ــ وأقصد به التعاون المؤسسى ــ بالمملكة العربية السعودية منذ إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامى، التى أصبحت تحمل الآن اسم منظمة التعاون الإسلامى، وهو ارتباط منطقى فهى مقر الحرمين الشريفين.. الكعبة التى يتوجه إليها المسلمون فى صلاتهم فى جميع أرجاء الأرض، والمسجد النبوى حيث قبر الرسول وكبار صحابته.. فضلا عن القدرات المالية الضخمة للسعودية التى مكنتها من استخدام الأموال ــ منحا ومنعا ــ لكسب مؤيدين أو إسكات معارضين.
وقد بدأ التعاون الإسلامى يأخذ شكله المؤسسى بإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامى عام 1969 حيث اجتمع زعماء العالم الإسلامى فى جدة كرد فعل لحريق المسجد الأقصى وبرزت خلال هذا الاجتماع فكرة ديمومة هذه الاجتماعات، وهكذا ظهرت منظمة المؤتمر الإسلامى، التى اتخذت من جدة مقرا مؤقتا لها، حيث ينص ميثاقها على أن مقرها الدائم هو القدس بعد تحريرها.
***
كانت الدول فى ذلك الوقت تصنف إلى دول تقدمية ودول رجعية.. والمقصود بالتقدمية هى الدول المناهضة للاستعمار، (وبالتالى للغرب) والمناصرة لحقوق الشعوب فى التحرر وتقرير المصير، وكان يغلب عليها الطابع اليسارى، بينما الدول الرجعية هى الدول اليمينية التى تقيم علاقات وثيقة بالغرب (أحلاف وقواعد عسكرية).. إلخ، وكانت مصر فى ذلك الوقت تحت قيادة عبدالناصر.
ولذلك اتخذت مصر من هذه المنظمة فى البداية موقفا حذرا ولولا أنها كانت فى مرحلة إزالة آثار العدوان لاتخذت منها موقف العداء الصريح.
***
وهكذا هيأت الظروف للسعودية الفرصة لإحكام سيطرتها على المنظمة التى أصبح لها ذراعا اقتصادية قوية تتمثل فى البنك الإسلامى للتنمية، وصندوق التضامن الإسلامى وعديد من الفروع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتقاطرت الدول للانضمام إلى هذه المؤسسة سعيا للاستفادة من هذه الإمكانيات ولم تكن شروط العضوية مُحكمة فانضمت دول يصعب وصفها بالإسلامية (موزمبيق كمثال)، حتى بلغ عدد الأعضاء حاليا 57 دولة.
***
ظلت المنظمة لعقود طويلة فى المياه الراكدة للعالم إلى أن تولى قيادتها البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو كأمين عام فحولها بمهارة فائقة إلى عنصر له وزنه فى الساحة الدولية، فسعى الكثير من الدول غير الإسلامية إلى فتح مكاتب تمثيل لدى المنظمة، إما كعضو مراقب مثل روسيا أو مكتب اتصال مثل الولايات المتحدة.. حتى أصبح هناك قائمة انتظار للدول التى تسعى للحصول على عضوية المنظمة كمراقب.
ولكن بزوغ نجم المنظمة وحيويتها نبه بعض الدول إلى إمكان استخدامها ودق أجراس خطر لدى دول أخرى خاصة بعد تولى الإخوان الحكم فى مصر، كما أن إيران وجدت فى المنظمة مجالا للتنفيس عن عزلتها فقامت بافتتاح بعثة ضخمة برئاسة سفير كممثل لها لدى المنظمة فى الوقت الذى تكتفى معظم الدول الأخرى بقيام السفراء بالرياض بتمثيلهم.
***
وعندما ازداد التوتر بين السعودية وإيران وازدادت المخاوف من الخطر الإيرانى، هذه المخاوف التى نفخت فى نيرانها الأجهزة الأمريكية والإسرائيلية الكثير ــ قررت السعودية إحكام سيطرتها على هذه المنظمة، فقررت فى عام 2009 الاستحواذ على منصب الأمين الذى لم تسع إليه من قبل منذ إنشاء المنظمة، وبالرغم من أن الدور كان على إفريقيا لتولى المنصب وقامت الدول الإفريقية بالفعل بترشيح شخصية من غينيا كونكرى للمنصب، وهو الدكتور قطب سانو الأستاذ بالجامعة الإسلامية بماليزيا، إلا أن السعودية مارست ضغوطا على الدول الإفريقية للتنازل، وبعد جولة إفريقية قام بها الأمير عبدالعزيز نجل الملك عبدالله شملت كونكرى، قامت غينيا بسحب ترشيحها لصالح السعودية، وعادت سفينة المنظمة تدريجيا إلى ما كانت عليه وعاد صوتها إلى الخفوت أكثر من أى وقت مضى، مما حدى بماليزيا إلى استضافة قمة مصغرة فى كوالالمبور فى ديسمبر الماضى 2019 لبحث سبل تنشيط التعاون الإسلامى، ومن بين هذه الدول باكستان وماليزيا وإندونيسيا، وقد تصدت السعودية لهذا الاجتماع بوسائل شتى من بينها الضغوط المالية حتى تغيَّب رئيس وزراء باكستان عمران خان عن القمة المقترحة، بالرغم من أنه كان فى أمس الحاجة إليها نظرا لأنه ضاق ذرعا بالإهمال التام لقضية كشمير ووقوفه منفردا فى مواجهة الهند بعد قيامها بإلغاء الحكم الذاتى وضم المقاطعة إليها.
فعندما تقدمت باكستان بطلب عقد اجتماع لوزراء الخارجية يخصص لقضية كشمير، عارضت السعودية بشدة هذا المقترح مستندة إلى أن الاجتماع الوزارى العادى سيعقد فى النيجر فى إبريل القادم.
بينما ترى باكستان أن بحث مشكلة كشمير فى الاجتماع الدورى العادى وتكرار صدور القرار التقليدى لن يعطى العالم الرسالة التى ترغب فيها باكستان وهى أن يرى العالم بأسره وقوف العالم الإسلامى خلف باكستان وإظهار الاهتمام بالتطورات الخطيرة الجديدة.
ولكن مناشدات باكستان لم تجد آذانا صاغية، بل إن دولة كالإمارات العربية أعلنتها صراحة بأن «قرار ضم الهند لكشمير هو شأن هندى داخلى».
***
لا أحد يأخذ دولتا العربية والإسلامية مأخذ الجد، ولم يعد أحد يعير المواقف المعلنة من مشاكلنا الحيوية اهتماما.. فمعظم الدول الأعضاء فى منظمة التعاون الإسلامى التى تضم بين أعضائها جميع الدول العربية تصوت فى المنظمة الإسلامية والجامعة العربية بشكل يخالف موقفها الحقيقى ويخالف تصويتها فى الأمم المتحدة.
فبينما تجدها فى المنظمة الإسلامية أو العربية تتبنى المواقف المؤيدة لحقوق الشعوب وتتبارى فى إلقاء الكلمات الحماسية فى هذا الشأن، تجدها تتخذ موقفا مغايرا فى المحافل الدولية.
***
طلب منى أحد الصحفيين المقارنة بين المنظمات الإقليمية الثلاث فى منطقتنا الإسلامية والعربية والإفريقية، وأيهم أكثر فاعلية ومصداقية، فقلت بلا تردد.. الاتحاد الإفريقى، فهو أكثر المنظمات الثلاث نشاطا وإنجازا، ويكفى أن نأخذ «السودان» مثالا باعتباره عضوا بالمنظمات الثلاث، ولكن من الذى تصدى بجدية لمشكلة الحرب الأهلية السودانية وقام بالوساطة النشطة التى أدت إلى توقيع اتفاق السلام.
إنه الاتحاد الإفريقى من خلال «الإيجاد»، كما قام بالدور الأكبر فى الوساطة الناجحة بين الحراك السودانى والمجلس العسكرى الذى أطاح بالبشير والتى أسفرت عن الترتيبات القائمة حاليا التى أنهت الصراع وأعادت الهدوء والاستقرار، إلى ربوع السودان ومهدت لخروجه من العزلة الدولية وإنهاء العقوبات.
لقد تصدى الاتحاد الإفريقى لمعظم نزاعات القارة وشكل قوات لحفظ السلام فى كثير من المناطق وله مجلس للأمن والسلم وقطع شوطا كبيرا فى مجال حقوق الإنسان ولديه محكمة لحقوق الإنسان.
ومثال آخر.. لم يحدث أن تنافس اثنان من إفريقيا على منصب دولى، فالاتحاد الإفريقى لديه نظام محكم وعادل لإدارة موضوع الترشيحات الدولية، بينما لا نجد ذلك فى الإطارين العربى أو الإسلامى.
(نذكر فى هذا الصدد تنافس المرشح المصرى والمرشح السعودى على منصب مدير اليونسكو الذى أضاع المنصب على الدولتين).
الأمثلة كثيرة على نجاحات المنظمة الإفريقية وإخفاقات منظماتنا الإقليمية الأخرى، وإذا حاولت أن أجد سببا رئيسيا يفسر ذلك فهو عدم سيطرة دولة واحدة أو اتجاه واحد على المنظمة يسيرها كيف ما شاء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved