القطاع الخاص والتأمين الصحى الشامل

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: الجمعة 4 مارس 2022 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

الاستثمار الخاص فى الخدمة الصحية يتصاعد فى الآونة الأخيرة، ولا شك أن ذلك له أهميته خاصة فى ظل أهداف التغطية الصحية الشاملة لنحو 103 ملايين نسمة لنظام التأمين الصحى الشامل الجديد، وفى ظل احتياج أكيد لمزيد من المؤسسات الخدمية الصحية ووحدات طب الأسرة. والحقيقة أن أى مستثمر فى الخدمة الصحية (أو القطاع الخاص الصحى) يهدف للربح وهذا طبيعى.
إن حجم استثمارات القطاع الخاص خلال العام المالى 2019/2018 فى قطاع الرعاية الصحية بلغت 9.3 مليار جنيه، ما يمثل 42% من إجمالى استثمارات القطاع خلال نفس العام، وفقا للبيانات الحكومية.
ولكن، السؤال الضرورى هو هل هناك معايير وقواعد لتنظيم هذا الاستثمار الخاص وفق خطة للدولة التى من المفترض أن تكون محددة لطبيعة الاحتياج الفعلى للمجتمع والقطاع الصحى، ومكان وحجم هذا الاستثمار بما يتوافق مع ما هو قائم بالفعل من استثمار عام للدولة؟
وهل لدى الدولة إجراءات قوية لمنع احتكار هذا القطاع الخاص، خاصة فى نوعية الخدمات عالية الربحية قليلة التكلفة مثل مراكز الأشعة والمعامل والمستشفيات ذات التخصصات النوعية؟ فالاحتكار خطر حقيقى على صندوق التأمين الصحى الشامل وقدرته التفاوضية على أسعار الخدمات باعتبار الصندوق هو الوكيل الرسمى والوحيد لأموال المشتركين فى التأمين من الشعب، وهو أمين على أموالهم وأموال الخزانة العامة للدولة، وهو الجهة المسئولة عن تسعير الخدمة الصحية بمعايير مقننة وواضحة، وهذا الصندوق يجب أن يتسم بالنزاهة والشفافية ويخضع لرقابة الشعب بمجلس أمناء ممثل لأصحاب المصلحة فى النظام الصحى، فدوره هو شراء الخدمة من العام والخاص بمعايير وجودة وبأقل تكلفة ومن خلال قوه تفاوضية واضحة تخدم فى النهاية مصالح الناس.
هذه أساسيات لفهم إشكالية الاستثمار فى الخدمة الصحية من جانب القطاع الخاص وبدونها يصبح الاستثمار فى الصحة لا هدف واضح له، ويدفع ثمنه المريض فى النهاية من جيبه الخاص، ومن المفترض أن أجهزة الدولة تضع ذلك فى الحسبان، وتقوى قطاعها العام ليضبط السوق ويمنع ويحد من الاحتكار.
• • •
على مدى العقود الماضية، شجعت مؤسسات التمويل الدولية العديد من حكومات البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى البحث عن دور للقطاع الخاص فى الصحة، مدفوعة إلى حد كبير بالاعتقاد بأن الحكومات فى هذه البلدان كانت أضعف من أن توفر جميع الخدمات الصحية اللازمة لتلبية احتياجات السكان، يمكن ملاحظة ذلك فى تقرير البنك الدولى الشهير عام 1993 (الاستثمار فى الصحة).
ولكن، مع جائحة كوفيدــ19، ظهرت ملامح إخفاقات القطاع الخاص الصحى وعدم قدرته على التعامل مع أزمات صحية بحجم الكوفيد، على سبيل المثال. فى مصر مثلا، القطاع الصحى العام هو من شكل حائط الصد الأساسى لمواجهة الكوفيد، مع الجمعيات الأهلية الصحية مثل مرسال، والقطاع الخاص الصحى لم يكن له دور بل بالعكس كان الهدف الأساسى أمام القطاع الخاص هو تعظيم الربح بأكبر قدر، فمثلا أزمة أسعار الليلة فى المستشفيات الخاصة عندما رفض القطاع الخاص لائحة وزارة الصحة (10 آلاف جنيه) حدا أقصى لليلة لرعاية المصاب بكوفيد. وأسعار تحاليل الـPCR شديدة الارتفاع مقارنة حتى بالمعامل الحكومية أو بالدول الشبيهة بمصر، وذلك مفهوم لأن المستثمر والقطاع الخاص عموما يبحث عن زيادة أرباحه، ولكن الصحة ليست سلعة تقاس بالمكسب والخسارة أو تخضع لمقاييس السوق، من هنا تظهر أهمية النقاش المفتوح أو حتى القلق عن الدور المتزايد للقطاع الخاص فى توسيع استثماراته فى قطاع الصحة.
بينما تختلف البلدان فيما يتعلق بما تعتقد أنه الدور المناسب للدولة فى تنظيم سوق الرعاية الصحية، فمن المتفق عليه أن الوظيفة الرئيسية للحكومة أنها تلعب دور المنظم الرئيسى. ولكن، تظل الحقيقة واضحة هو أن دخول شركات أو مستشفيات خاصة صحية تهدف للربح فى النظام الصحى سيرفع سعر الخدمات الصحية بشكل عام، مقارنة بنظام صحى تكون ملكية الأصول الصحية فيه للدولة.
تتركز أزمة القطاع الخاص الصحى وتأثيره على الحق فى الصحة فى ثلاثة محاور: (1) أن القطاع الخاص يبحث عن أسرع وأكبر ربح فى وقت قصير، فمثلا لم نجد استثمارا للقطاع الخاص فى الصحة فى وحدات رعاية أساسية أو فى محافظات تعانى من نقص البنية التحتية الصحية، بالعكس تتركز استثمارات القطاع الخاص فى المحافظات الكبرى وفى المستوى الثانى والثالث من الرعاية الصحية لأن هامش الربح أكبر من الاستثمار فى الرعاية الأساسية. (2) أزمة رفع سعر الخدمة الصحية بشكل عام. و(3) أزمة كيفية تنظيم العلاقات بين الدولة ومقدمى الخدمة الصحية من القطاع الخاص.
• • •
إن التوجه الأمثل هو أن يكون الاستثمار فى الصحة من جانب الدولة، سواء على مستوى البنية التحتية من إنشاءات لخدمة مستوى الرعاية الصحية الأول والثانى، أو على مستوى العنصر البشرى، هذا التوجه هو الأضمن على المدى البعيد وسيوفر للدولة ماليا وسيخدم تطبيق قانون التأمين الصحى الشامل.
وفى الخلاصة، فإن مفهوم الاستثمار فى الصحة هو فى الواقع مفهوم أشمل وأعمق من مجرد السماح للقطاع الخاص الطبى بالتوسع فى إنشاء أو الاستحواذ على مزيد من المستشفيات الاستثمارية ومن ثم الاستفادة من أموال منظومة التأمين الصحى الجديدة، إنه يعنى أيضا الاستثمار فى البشر والقوى العاملة فى الصحة، وأيضا فى المحددات الاجتماعية للصحة سواء كانت فى الصرف الصحى أو مياه الشرب النقية أو المحددات البيئية للصحة أو غيرها من العوامل التى تراكم قيمة مضافة لمفهوم صحة الناس الشاملة وليست مجرد اقتراض أموال من البنوك لإنشاء مستشفيات تستثمر فى المرض وتتقاضى أرباحها من جيوب المرضى، أو من موارد الخزانة العامة المخصصة للرعاية الصحية والتأمين الصحى الشامل الجديد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved