وتحقق حلم بن غفير.. مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 4 مارس 2023 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتب مصطفى إبراهيم، تحدث فيه عن مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، كما تناول أهم بنوده وكيف تتضمن تخفيفا لقيود تنفيذ حكم الإعدام، مما يعد استهانة بحق الشعب الفلسطينى فى الحياة... نعرض من المقال ما يلى:
أتى اجتماع العقبة الأمنى بين وفدين، الأول فلسطينى والآخر إسرائيلى، برعاية أمريكية ومشاركة مصرية وأردنية، كمحاولة لتهدئة الأوضاع المشتعلة فى الضفة الغربية، وتصاعد العمليات الفلسطينية، ومقتل مستوطنين إسرائيليين بالقرب من مدينة نابلس، وما تلا ذلك من هجوم مستوطنين على بلدة حوارة، ومقتل فلسطينى وإصابة العشرات وإحراق منازل وممتلكات عائدة للشعب الفلسطينى بالبلدة.
فى الأثناء، صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع، على مشروع قانون فرض عقوبة الإعدام على أسرى فلسطينيين، كما صادق الكنيست بالقراءة التمهيدية عليه. وقال رئيس حزب «عوتسما يهوديت» (قوة يهودية) اليمينى ووزير الأمن القومى، إيتمار بن غفير وهو صاحب مشروع القانون، إنه ما من رمزية أكثر من تمرير قانون عقوبة الإعدام فى اليوم الذى قُتل فيه مواطنان إسرائيليان فى عملية نفذها فلسطينى، «هذا قانون أخلاقى ومنطقى موجود فى أكبر ديمقراطية فى العالم، وبالتأكيد فى دولة توجد فيها موجة إرهاب ضد مواطنيها».
وقررت اللجنة الوزارية للتشريع بعد المصادقة على مشروع القانون بالقراءة التمهيدية، إجراء مداولات بشأنه فى المجلس الوزارى المصغر للشئون السياسية والأمنية (الكابينيت). وتأتى المصادقة رغم معارضة المستشارة القضائية للحكومة، غالى بهاراف ميارا، ومعارضة المؤسسة الأمنية خشية زيادة العمليات وخطف الجنود الإسرائيليين بواسطة المقاومين الفلسطينيين.
بن غفير ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قالا فى تصريح إنه بموجب القانون، بإمكان المحكمة فرض عقوبة الإعدام على من ارتكب جريمة قتل على خلفية قومية ضد مواطنى إسرائيل. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو طالب بن غفير بتأجيل النظر فى مشروع القانون، إلا أن الأخير رفض ذلك.
تأتى المصادقة على مشروع القانون فى سياق الاتفاق الذى تم توقيعه بين بن غفير وحزب الليكود للمشاركة فى الحكومة الإسرائيلية، ويشمل 168 بندا، إضافة إلى ملاحق. أهم ما جاء فى الاتفاق يتعلق بتطوير الاستيطان، السيطرة على جهاز الشرطة وتعديل قوانين إطلاق النار، تغيير أوضاع الأسرى الفلسطينيين، تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية، إقرار عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين.
المشروع ليس الأول من نوعه، فعام 2018، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على الدفع بمشروع قانون العقوبات، تعديل الحكم بالإعدام للمدانين بعمليات قتل فى عام 2017. أطلق عليه «قانون العقوبات، تعديل الحكم بالإعدام للمدانين بقتل إسرائيليين».
وقدم حزب إسرائيل بيتنا، مشروع القانون بتاريخ 30 أكتوبر 2017، وتم وضعه فى مسار سريع للتصويت عليه فى اللجنة الوزارية للتشريع، إلا أنه لم يقر.
وقبل ذلك عام 2015، طرح مشروع قانون شبيه فى الهيئة العامة للكنيست، إنما لم يؤيده سوى حزب اليمين المتطرف إسرائيل بيتنا، فيما عارضته جميع الأحزاب الأخرى.
• • •
مشروع القانون الجديد القاضى بإعدام الأسرى الفلسطينيين، هو استمرار لسياسة الاحتلال العنصرية ضد الشعب الفلسطينى. وفى ظل حرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه فى الاستقلال وتقرير المصير، وفى حال تطبيق عقوبة الإعدام، فإنها تجردهم من حقوق أساسية كالحق فى الحياة، والحق فى تقرير المصير، والحق فى عدم التعرض للتعذيب، والحق فى الصحة والسلامة الجسدية.
بالنظر إلى نص مشروع القرار الذى يبرر العمل بعقوبة الإعدام فإنه يأتى ردا على وتيرة ما تسميه إسرائيل «عمليات القتل الإرهابية»، التى تعتبر وسيلة رادعة، بخاصة أن كثرا ممن ارتكبوا هذه الأفعال يطلق سراحهم قبل انتهاء مدة محكوميتهم، بموجب صفقات تبادل الأسرى.
ويتضمن مشروع القانون الجديد تخفيفا من شروط تطبيق عقوبة الإعدام، إذ يسمح أولا بتطبيق عقوبة الإعدام عن طريق قرار محكمة بإجماع اثنين من القضاة الثلاثة، وليس جميعهم. ثانيا، منع استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة أخرى، وأيضا السماح بتطبيق العقوبة من غير طلبها من المدعى العام العسكرى. إلى جانب كل هذا، فإن مشروع القانون الجديد يسمح بتطبيق عقوبة الإعدام فى المحاكم الإسرائيلية المدنية، وليس فى المحاكم العسكرية حصرا. وينص التعديل على منح القضاء إمكانية الحكم بالإعدام على من تتم إدانته بتنفيذ قتل على «خلفية إرهابية»، بحسب تعريف قانون مكافحة الإرهاب.
ويتطلب تنفيذها أغلبية بإجماع هيئة القضاة فى المحاكم العسكرية، ويطالب بن غفير إضافة إلى إدراج عقوبة الإعدام ضمن القانون المدنى بتعديل القانون العسكرى بحيث يسمح بإعدام فلسطينيين بأغلبية عادية.
عقوبة الإعدام قائمة فى القانون العسكرى الإسرائيلى، وهى تركة أنظمة الطوارئ فى الانتداب البريطانى فى فلسطين، أى إنها تعود إلى عام 1945 ولم يتم إلغاؤها، كما أن قانون الإعدام موجود فى القانون الإسرائيلى منذ عام 1953، إلا أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية جمدت التعامل به.
الخطير فى مشروع القانون الحالى أنه يزيل القيود الموجودة فى القانون السابق الذى كان ينص على أن صدور الإعدام بحق أسير ما، يجب أن يكون بإجماع ثلاثة قضاة، والقانون الجديد ينص على أنه يكفى صدور الحكم وفق نظام الأغلبية.
صحيح أن مشروع القانون ما زال فى مراحله الأولى، ويحاول الائتلاف الحكومى الإسرائيلى تمريره، كونه يعكس طابعه اليمينى المتطرف سواء من الناحية القومية، أو الدينية. لذا يتعرض لانتقادات شديدة من معارضة سياسية أو جهات قانونية، لأن إقراره ادعاءات أمنية، يمكن أن يقود إلى قانون إعدام على المستوى المدنى، وهذا ما تعارضه جهات قانونية سياسية ليبرالية.
وتمرير القانون بالقراءات الثلاثة فى الكنيست، يبدو عاديا بخاصة أن الائتلاف يحظى بالأغلبية، وهو متمسك بهذا المشروع، لكن إمكانية أن يتم تطبيقه تطرح سؤالا مفتوحا، بانتظار التطورات الميدانية. فهل يقر القانون وينفّذ فيتحقق حلم بن غفير لردع الفلسطينيين وزيادة التضييق عليهم؟
كما أن مشروع القانون يستثنى اليهود الذين ينفذون جرائم ضد الفلسطينيين، عندما رفض الكنيست الإسرائيلى مشروع القانون عام 2017، بأغلبية أعضائه، وذلك لخصوصية فى العقل الجمعى الإسرائيلى.
ومع أن حكم الإعدام منصوص عليه فى القانون الإسرائيلى، إلا أن الحكومات السابقة لم تطبقه استنادا إلى تعاليم الدين اليهودى، وتكتفى بأحكام السجن لمدد طويلة تصل إلى مئات السنين.
وبالعودة إلى عشرات السنين، فقد صدر حكم بالإعدام ضد كريم يونس وابن عمه ماهر يونس (أفرج عنهما قبل نحو شهرين من انتهاء مدة حكمهما البالغة 40 سنة) بعد اعتقالهما عام 1983، وتم لاحقا تعديل الحكم إلى المؤبد، كما أن الأسرى محمود حجازى، وموسى جمعة، وموسى منصور، وغيرهم، حكموا بالإعدام جميعا، إنما لم يتم تنفيذ الحكم، لأسباب أمنية وسياسية، لوجود أسرى جنود لدى جهات فلسطينية. حالة الإعدام الوحيدة التى نفذتها إسرائيل كانت عام 1962، بحق الضابط الألمانى أدولف إيخمان الذى كان متهما بارتكاب جرائم حرب نازية.
فى الشريعة اليهودية التى يؤمن بها بن غفير، تفرض التوراة صراحة عقوبة الإعدام فى 36 جريمة، وهى القتل والزنا وعبادة الأصنام وتدنيس يوم السبت، ومع ذلك نادرا ما يتم تنفيذ عقوبة الإعدام التى أصبحت ملغاة بحكم الأمر الواقع، ويعتقد القادة الدينيون اليهود المحافظون أنها يجب أن تظل غير مستخدمة، حتى فى الحالات القصوى مثل الاغتيال السياسى.
فى الأثناء، يريد بن غفير تمرير قانون الإعدام بأى طريقة بحق الفلسطينيين، الذين يواجهون يوميا القمع والحصار والاعتقالات والمحاكمات العسكرية التى لا تتوفر فيها شروط المحكمة العادلة، إضافة إلى ما يتعرض له الأسرى من تعذيب وإهمال طبى والحرمان من الحق فى الحياة والحق فى التواصل مع العالم الخارجى، وبناء المستوطنات وطرد الأسر الفلسطينية من أرضها وتهجيرها، وهدم البيوت.
• • •
تنظر منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية إلى عقوبة الإعدام على أنها مخالفة للمواثيق والمعاهدات الدولية كونها عقوبة قاسية وسالبة للحياة، ومهينة وغير إنسانية، وذلك يتعارض مع القانون الدولى الذى ينص على حرية الإنسان وكرامته. إضافة إلى التوجه الدولى إلى إلغاء عقوبة الإعدام، فمعظم دول العالم، الديمقراطية منها وغير الديمقراطية، حظرت عقوبة الإعدام فى أنظمتها القضائية.
مشروع قانون إعدام الأسرى جريمة حرب يعاقب عليه القانون، لأنه مخالف لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وللبروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف لعام 1977، وهو انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولى الإنسانى، ولحقوق الإنسان.
كما أننا أمام خطر احتواء قرارات المحاكم الإسرائيلية على تمييز وعنصرية على خلفية قومية، والتى لا تطبق سوى على الفلسطينيين فى المناطق المحتلة، وذلك ضمن موجة التشريعات التى تحمل فى طياتها صفات الفصل العنصرى، والتى تنتهك القانون الدولى والدستورى. وهذا القانون فى حال طبق، لا يمنح المحاكم إمكانية وضع حد لحياة الفلسطينيين فقط، بل يعمق نظام الفصل العنصرى ويرسخه فى أجهزة الدولة، إذ إنه يطالب بشكل واضح بتشديد العقوبات على الفلسطينيين الذين يحاكمون فى المحاكم العسكرية فى المناطق المحتلة، علما أن سريان قانون إسرائيلى على المناطق المحتلة يتعارض كليا مع القانون الدولى.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved