تمثال الكاتب المصري وكرامة الجامعة المصرية في ظل أوضاعنا السياسية

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الأحد 4 أبريل 2010 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

 التقى الدكتور هانى هلال وزير التعليم العالى عددا من أعضاء هيئات التدريس الجامعية بمقر نادى أعضاء هيئة التدريس فى جامعة القاهرة يوم الاثنين الماضى، ولم أشأ المشاركة فى هذا اللقاء، لتوقعى أن يدور معظم الحديث فيه حول رواتب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية.

ولم يكن سبب عزوفى عن الحضور هو تمتعى بدخل إضافى يغنينى عن راتبى من الجامعة، فلايزال ما أتقاضاه كأستاذ متفرغ، أو بعبارة أخرى، على المعاش، هو المصدر الرئيسى لقوتى، ولم يكن السبب كذلك هو أن موضوع الحديث سيكون عن استحقاقات أعضاء هيئة التدريس ممن انضموا إلى مشروع الجودة، والذى يعد الأساتذة بدخل إضافى إذا ما قاموا بواجباتهم فى التدريس، وواظبوا على الحضور إلى الجامعة خمسة أيام كل أسبوع، وهو أمر لا يخصنى، فلم أنضم لهذا البرنامج، ليس ترددا فى القيام بواجباتى كأستاذ جامعى، ولكن يعلم الله وزملائى أنى أواظب على القيام بهذه الواجبات بل وأكثر من المطلوب حيث تدعونى دائما إدارة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى أعمل بها، كما يدعونى زملائى فى إدارة الكلية ومراكزها البحثية إلى المشاركة فى العديد من أنشطتها، ومع ذلك كان سبب انصرافى عن الحضور إلى هذا اللقاء مع وزير التعليم العال هو إحساسى بالمهانة أن تصبح مسألة رواتب أعضاء هيئة التدريس موضوعا للمساومة والأخذ والرد بين الوزير وأساتذة الجامعات وهو الذى حدث بالفعل، وهو فى رأيى مهانة كبرى للأستاذ الجامعى، فالمفروض إذا كانت الدولة تريد من الأستاذ الجامعى أن يقوم بواجبه فى التدريس والبحث العلمى والأنشطة الجامعية خير قيام، أن توفر له الدخل الذى يكفل له التفرغ لأداء هذه الواجبات، وهو ما خبرته فى العديد من الجامعات الأجنبية التى عملت بها، ومنها جامعة هارفارد العريقة، وهى تحتل مركز القمة بين جامعات العالم، والتى تشترط تفرغ الأستاذ لعمله الجامعى فيها، ولكنها تسمح له أن يخصص 15% من وقته للخدمة العامة بلا مقابل.

لأنه يحصل منها على ما يوفر له حياة كريمة وهو ذات الوضع فى العديد من جامعات الدول التى تقدمت فى الجنوب فضلا عن معظم جامعات دول الشمال.

والسبب فى رأيى الذى يبقى هذه الأوضاع المتخلفة فى مصر هو بالفعل حرص حكومات مصرية متعاقبة على إذلال أستاذ الجامعة وإهانته، وتحويله إلى تابع لا حول له ولا قوة إزاءها، يستجديها أن تعطف عليه بزيادة فى الراتب، أو بانتداب فى إحدى وزاراتها، فلا يبقى لديه وقت يسمح له بخدمة المجتمع، ولا يصبح لديه أى حافز للاستقلال بالرأى فى مواجهتها.

مثل صارخ على إهانة أساتذة الجامعة

قد ترى عزيزى القارئ أنى أبالغ بعض الشىء فى تصوير دوافع الدولة للإبقاء على هذه الأوضاع المالية المزرية لأعضاء هيئات التدريس الجامعية والتى دفعت أعدادا مهمة منهم للتوقف عن العمل ساعة يوم الثالث والعشرين من مارس الماضى، وأنى ربما أكون مدفوعا برغبة لا تكل فى انتقاد حكومات الحزب الوطنى الديمقراطى الذى لا أنتمى إليه، ولا أنتمى كذلك لأى حزب آخر، ليس هذا صحيحا وسأقدم لك دليلا إضافيا على صحة ما أقول. فقد وجدت عند ذهابى إلى مكتبى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية يوم الثلاثاء الماضى دليلا لا ينكر على المكانة المتدنية التى يحتلها أستاذ الجامعة فى تقدير الإدارات الجامعية المسنودة بكل تأكيد بكل مؤسسات الدولة المصرية.

فقد وجدت خطابا من السيد أ.أحمد حسين الذى لا أعرفه شخصيا ولكنه وقع كتابه بأنه مدير مكتب أ.د.(أى أستاذ دكتور) رئيس الجامعة، وأظن أن هذا الخطاب سوف يدخل التاريخ باعتباره ليس فقط أقوى حجة ليس لاستبعاد جامعة القاهرة من قائمة أفضل خمسمائة جامعة على مستوى العالم، هذا إذا دخلتها أصلا فى ظل أوضاعها الحالية، بل لإسقاط وصفها بالجامعة. وإليك عزيزى القارئ وبالنص الحرفى ما يدعو إليه هذا الخطاب، والذى جاءنى وعليه توقيع عميدة الكلية وكذلك رئيس القسم، الأولى بالتعميم على أعضاء هيئة التدريس، والثانية بالتعميم على أعضاء القسم.

الخطاب موجه إلى السادة أمناء الكليات والمعاهد، والسادة مديرى مكاتب السادة النواب والعمداء. وبعد تحية طيبة جاء فيه:

«برجاء التكرم بالإحاطة أنه نظرا لوقوع العديد من المشاكل التى تعوق العمل المرتبط بالإدارات تحت رئاسة سيادتكم ومكتب السيد أ.د.رئيس الجامعة نحيط سيادتكم علما بالآتى:

1ــ بالنسبة للتعامل مع الجهات الخارجية من دول أجنبية وسفارات وجامعات وأفراد أجانب أو مصريين، فيتم العرض على السيد الأستاذ مدير عام أ.د/ رئيس الجامعة قبل الموعد المحدد لتنفيذها بخمسة عشر يوما على الأقل حتى يتسنى لنا اتخاذ الإجراءات الواجبة حيالها، وأى مكاتبات سترد بعد هذا الموعد فإن المكتب غير مسئول عن تأخر الرد عليها».

2ــ خاص بالسفر إلى الخارج ولابد من عرض الطلب الخاص به قبل موعد السفر بعشرين يوما.

3ــ بالنسبة لطلب الموافقة على استضافة قنوات تليفزيونية أو إذاعية وأى زيارات وفود أو أفراد أجانب أو من جهات خارجية للجامعة أو الكليات أو السادة أعضاء هيئة التدريس، فلابد من العرض على مكتب أ.د/رئيس الجامعة قبل موعد المقابلة أو الزيارة بعشرة أيام على الأقل، وإلا فإن المكتب غير مسئول عن تأخر الرد الذى قد يتسبب فى عدم تنفيذ المقابلة أو الزيارة».

وبعد فقرتين أخريين تتعلقان بعدم تسليم المكاتبات باليد وإنما عن طريق المكتب الفنى وختم شهادات التخرج يحث الخطاب أعضاء هيئة التدريس على الالتزام بهذه التعليمات بالنص التالى:

«وإذ تهيب بسيادتكم التقيد بالتوقيتات لما فيه من حفاظ على مكانة الجامعة وصورتها أمام الجهات الخارجية والأجنبية».

الجامعة خطر على الأمن القومى

لك عزيزى القارئ أن تخمن الأسباب التى تدعو إدارة جامعة القاهرة أن تحرص أولا على العلم بلقاءات أعضاء هيئة التدريس، ولاحظ أنها لا تحاول معرفة اللقاءات مع جهات خارجية ولكن أيضا أفراد مصريين. فعندما يصل ابن عمى مثلا إلى القاهرة فى زيارة عادية ويرغب فى رؤيتى فى مكان عملى فلا بد أن أعتذر له لأن السيد مدير مكتب السيد الأستاذ الدكتور رئيس جامعة القاهرة قد شدد على بأنه كان لابد وأن أتنبأ بموعد زيارته قبلها بخمسة عشر يوما على الأقل. أو عندما يريد طالب دراسات عليا أو أستاذ زميل فى جامعة أخرى أن يلتقى بى لسبب يتعلق بمشورة علمية، فلا بد لهما كذلك من الانتظار وفقا لهذه التعليمات.. وعندما يريد صحفى أو مراسل تليفزيونى معرفة رأى أساتذة الجامعة فى حدث مهم، فلابد من الانتظار عشرة أيام بعد الحدث للحصول على هذا الرأى؟

وحتى بالنسبة لهذه الجهات الخارجية من دول أجنبية وسفارات وجامعات، ما الذى تريده من أستاذ فى جامعة القاهرة حتى يقتضى الأمر الحصول على إذن من رئيس الجامعة؟ أليس فى هذه الصياغة إيحاء بأن مثل هذه اللقاءات تهدد الأمن القومى، وتنطوى على نوع من التجسس، ولذلك لابد من إحاطة رئيس الجامعة الذى سوف يستشير بدوره أجهزة الدولة المعنية حتى تتحقق مقدما من أن اللقاء لا ينطوى على خطر يهدد سلامة الأمة ووحدة أراضيها واستقرار مؤسساتها. ما هذا العبث؟. ومن أى دولة أو من أى عصر استوحى كاتبو هذا الخطاب مثل هذه الأفكار؟. وأشك كثيرا أن يكون من أوحوا به هم رئيس الجامعة أو أى من أساتذتها.

والسؤال الآن هو حول مفهوم الجامعة الذى تستند إليه مثل هذه التعليمات؟ هل هى الجامعة المنفتحة على المجتمع والعالم، التى تسعى للإحاطة بما يجرى فى العالم من تطورات فى جميع المجالات، والتى تحاول أن تشع علما واستنارة فى جميع أنحاء المجتمع من خلال كل الوسائل بما فيها أجهزة الإعلام؟ هل هى الجامعة المنارة أم أنها الجامعة السجن التى يسكنها أشخاص خطرون على أمن المجتمع طلابا وأساتذة، فتحيط بها قوات الأمن المركزى خوفا من خروج طلبتها إلى المجتمع، ويقتضى الاتصال بأساتذتها الحصول على إذن مسبق حتى لا تخرج أفكارهم الخطرة إلى المجتمع من خلال أجهزة الإعلام؟ أو حتى لا تعدى أحدا من هؤلاء الأفراد من المصريين الذين يحاولون النفاذ من أسوارها الحصينة.

أعلم أن رئيس الجامعة ونوابه قد حصلوا على درجة الدكتوراه من جامعات أجنبية، أو أتيح لهم السفر والإقامة فى جامعات أجنبية. ولا شك أن وزير التعليم العالى والذى خدم فى اليونيسكو يعرف الكثير أيضا عن أحوال جامعات فرنسا التى قضى فى عاصمتها سنوات، وكذلك عرف بحكم عمله فى المنظمة الدولية أوضاعا كثيرة عن جامعات العالم. هل يمكن لأى منهم أن يدلنا على تلك الجامعات التى استوحيت منها هذه التعليمات.؟ هل هى الجامعات التى ترد على قائمة أفضل الجامعات فى العالم أم أنها جامعات بلاد مثل كوريا الشمالية والجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى.

من المؤسف أن الكثيرين ممن يتولون مناصب عليا فى أجهزة الدولة المصرية هم أنفسهم أساتذة جامعيون سابقون، ولكنهم لا يستنكرون مثل هذه الممارسات. الواقع أنهم وسائر من يشاركونهم ممارسة السلطة الحكومية فى مصر يرون المثل الأعلى لأستاذ الجامعة فى تمثال الكاتب المصرى الجالس على الأرض، فى انتظار أن تلقى الدولة عليه بالتعاليم حتى يعرف ماذا يكتب، وماذا يقول. ولن تتغير هذه النظرة ما لم تتغير الأحوال فى مصر إلى أوضاع أكثر ديمقراطية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved