انهيار دولة سامى الهابط

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأحد 4 أبريل 2010 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

 كان المشهد أقرب للخيال العلمى: صالات مكيفة الهواء تنساب فيها الموسيقى الهادئة، «كيفك إنت» بصوت السيدة فيروز فى ذلك اليوم، وزجاج دخانى يحجب الشمس، وموظفون يبتسمون وهم يتعاملون مع المواطنين.

هنا مرور الإسماعيلية قبل أكثر من 10 أعوام.

فى الخارج نماذج مصغرة من الشوارع لاختبار الرخصة، وميدان للأطفال يمكن أن يلعبوا فيه ويتعلموا إشارات المرور، وفى الداخل كاميرات فيديو تتابع سير العمل، وتنقله إلى شاشة فى مكتب مدير المرور، الذى يفتح أبوابه لكل مواطن لديه مشكلة، ولم تكن هناك مشكلات.
الدنيا تغيرت فى الأعوام القليلة، لكن انهيارا كاملا بهذه السرعة القياسية يستعصى على التفسير والكتابة.

مرور الإسماعيلية الآن: مئات العاملين فى الصالات الأربع يتزاحمون ويدورون فى حلقات تشبه «دائرة اليرقات» العمياء التى كتب عنها صنع الله إبراهيم، وكأنه يوم الحشر. لا أحد يعرف إلى أين يتجه. لا يوجد موظف واحد يخاطب الناس بهدوء، أو يشفى غليلهم بإجابة. لا يرد مهما كررت عليه السؤال، وإذا أجاب، لسوء الحظ، فالرد من نوع «الكمبيوتر عطلان من شهر»، أو بجملة يعاقب عليها قانون النشر. إذا ارتفع الصراخ من ركن الصالة فهذه خناقة روتينية مع موظف، أو شكوى سيدة من التحرش الجنسى، كما حدث الاثنين الماضى أمام الشباك الذى كان مخصصا لذوى الاحتياجات الخاصة فى الزمن الغابر.

لن يتحرك أحد لإنقاذ دولة «الخيال العلمى»، التى أبدعها رجل لا أعرفه، هو اللواء سامى الهابط، وسهر على إخراجها بطريقة جعلت مرور الإسماعيلية فى ذلك الوقت أعجوبة إدارية وإنسانية. ولن يلتفت المحافظ، الذى تختاره الحكومة دائما جنرالا، لآلام شعبه فى استخراج أوراق المرور، بل العكس هو الذى يحدث. المحافظ الذى يجبر سائق النقل عند تجديد رخصته على العمل بالسخرة لدى نادى الإسماعيلى، الذى تحول إلى مصنع النكد اليومى فى عهود الجنرالات المتعاقبة.

المحافظ الذى أصبحت مياه الشرب تنقطع عن مناطق كاملة فى محافظته بالأيام، ولا تفرق معه.

المحافظ الذى يترك ضباط المرور «الجدد» يصفعون السائقين على أقفيتهم فى المواقف وعلى الدائرى، ويحبسونهم بعد ذلك إذا تجرأوا على الرد.

لا أتصور أن رغبة ملكية علوية يمكن أن تعيد حلم ودولة سامى الهابط فى مرور الإسماعيلية، فما لا أتمكن من الإشارة إليه من فساد لعدم وجود الدليل المادى، هو الأساس الجديد الصلب لحاضرنا ومستقبلنا، بعد انهيار دولة سامى الهابط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved