وتعانق الرجلان

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 4 أبريل 2010 - 10:07 ص بتوقيت القاهرة

 كنت قد كتبت الأسبوع الماضى عن أننى أصبت بالملل من كثرة ما رأيت ذلك المشهد المتكرر لدرجة السأم، وهو نقاش الحساب الختامى لموازنة الدولة فى مجلس الشعب. ذلك المشهد الذى يطل علينا كل عام بنفس تفاصيله، دون أن يحاول أحدهم أن يغير ولو جانبا يسيرا منه لزوم كسر الملل. ودعوت الله أن يأتى لنا بشىء يغير لنا المشهد المتكرر (الملط ـ غالى ) و(الملط ـ عز ) مع حفظ الألقاب والمناصب الوزارية، والتشريعية، والحزبية، والرقابية لهؤلاء الرجال.

ولذلك لم أصدق أذنى عندما سمعت الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب بعدها بأيام قليلة، وهو يشخط أثناء الجلسة ويقول غاضبا بمنتهى الحسم «إننى لا يشرفنى أن أكون رئيسا لمجلس شعب بهذا الضعف، ولن أطرح الحساب الختامى للموازنة للتصويت من أجل الموافقة عليه، إلا إذا تم تصحيح ملاحظات المستشار جودت الملط رئيس جهاز المحاسبات حول أموال التأمينات».

لم أصدق نفسى من الفرحة وسجدت لله شكرا لما اعتبرته رسالة من السماء بأن الله قد استجاب لى، وأتى بمن ينقذنا من المشهد الملل إياه، حتى ولو كان أحد أطرافه.

أخيرا سوف يدخل على المشهد بعض التعديلات التى تضفى عليه مسحة من التشويق. فلأول مرة سوف يرفض مجلس الشعب التصويت على الحساب الختامى للموازنة اعتراضا على مخالفات الحكومة والتلاعب فى أموال التأمينات والمعاشات.

وكان المستشار الملط قد انتقد إدخال أموال صندوقى التأمينات، للعاملين بالجهاز الإدارى والعاملين بالمؤسسات العامة وبالقطاعين الخاص والتعاونى، ضمن الإيرادات فى الموازنة العامة للدولة. وذلك استنادا إلى أن قانون التأمينات ينص فى مادته رقم (8) على أن الفائض فى أموال التأمينات يوضع فى حساب خاص.

ولا يجوز التصرف فيه إلا فى استخدامات محددة. وحدد القانون استخدامات هذه الأموال إما فى تسوية العجز فى أموال الصندوق، أو تكوين احتياطى، أو لسد زيادة المعاشات فقط. أى أن الحكومة أدخلت هذه الأموال فى الموازنة بالمخالفة للقانون.

وذكر الملط أيضا فى تقريره أن «ثمة مخالفات شابت أعمال الصناديق والحسابات الخاصة، وأنه تم استخدام جانب من هذه الأموال فى الدعاية والإعلان ونشر التهانى والتعازى والمكافآت وشراء أجهزة التكييف و.......».

ولمن لديهم حب الاستطلاع نقول لهم إن بند «نشر وإعلان ودعاية واستقبال» هذا كلف خزانة الدولة فى العام الماضى وحده 407 ملايين جنيه، بزيادة قدرها 309 ملايين جنيه عما كان مقدرا لها فى نفس الموازنة.

ولولا لطف الله لكان هذا البند قد فاق كل الحدود المتصورة فى الموازنة الحالية التى تتزامن مع وقوع أحداث جلل تستحق التهنئة والإعلان، وعلى رأسها عودة الرئيس مبارك سالما إلى أرض الوطن، وابتهاجه باستقبال حفيدته الأولى فريدة. إلا أن صدور تعليمات بعدم التهنئة حال دون ذلك. ويبدو أن المسئولين بالحكومة اكتفوا بالتعبير عن مشاعرهم بالتليغرافات أو بـ(sms) أو عبر الإيميلات. ولكن هذا خارج موضوعنا الآن.

وبالرغم مما بدا أمام الجميع أن الحكومة فعلا فى ورطة، وأن الأمر يحتاج بالفعل إلى تعديل فى المشهد، والوقوف بجدية أمام مخالفة الحكومة للقانون. فإن لا الحكومة خشيت من ورطتها، ولا رئيس المجلس صمم على تهديده. ولا فرحتى كتب لها أن تدوم.

فسرعان ماتحولت مواقف رئيس مجلس الشعب الذى كان يهدد ويتوعد بعدم الموافقة على الحساب الختامى إلى الإسراع بطرح الموازنة للتصويت. وذلك بعد جلسة جمعته مع الثلاثى (أحمد عز، ويوسف بطرس غالى، وجودت الملط) ليدخل بعدها للجلسة، وقد هدأت أعصابه ليطرح الحساب الختامى للموازنة للتصويت وكأن شيئا لم يحدث. ليس هذا فقط، بل ويسكت كل الأصوات التى كانت تعترض على تمرير الموازنة بدون تصحيح للمخالفات الحكومية.

لتخرج علينا بعدها الصحف القومية مهللة بأن عز قد انتصر على «المحظورة» التى كانت تريد العكننة على الشعب وإفهامه أن الحكومة تخالف القانون. (ولمن لا يجيد فك شفرات الصحف القومية نقول له إن «المحظورة» هى حزب الإخوان المسلمين وأن «الإخوة المحظورين» هم النواب عن الإخوان المسلمين).

والأجمل من كل ما فات هو أن المستشار الملط والنائب أحمد عز تعانقا قبل أن يخرجا فى نهاية الجلسة. دون أن يفهمنا أحد مغزى عناق الملط.

فهل معناه أن الرجل قد وافق على موقف رئيس لجنة الخطة والموازنة بالمجلس، الذى تنازل عنه لكى يلعب بدلا منه دور ممثل الحكومة؟

وهل تنازل الملط عما كتبه فى تقريره صفحة (20) من أن جهاز المحاسبات بنص الدستور والقانون هو عين السلطة التشريعية لمراقبة النشاط الاقتصادى للحكومة؟. أى ما يعنى ببساطة أن السيد عز مطالب بأن يقف فى صف الملط (الذى هو عينه الرقابية على أداء الحكومة) وليس العكس. أم أن العناق يعنى شيئا واحدا هو تبادل التهنئة بأن كل واحد لعب الدور المطلوب منه؟.

ولكن بعد إسدال الستار على المشهد، عدت مرة أخرى لأقسم بأننى لن أعود ثانية لأتابعه، أو أشاهد شخوصه. بل وسأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فى كل مرة يوسوس لى فيها بأن أنتظر تغييرا فى مشهد من المشاهد المملة التى نحياها فى هذا العصر، ومن هؤلاء الناس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved